top of page

مأزق الفكر السياسي اللبناني

  • صورة الكاتب: يللا اليوم
    يللا اليوم
  • 3 أغسطس
  • 4 دقيقة قراءة

ree

يللا اليوم - ماغازين - لبنان - من المؤسف أنّ النظام السياسي اللبناني، بمراحله السابقة والحاضــرة، يمُّـر بمأزق الفكر السياسي على كافة المستويات، منها: السياسية، الأمنية، الإقتصادية، المالية. وكلها أزمات متجذِّرة في ذهنية الذين مارسوا ويُمارسون النظام، مستظلّين مبدأي الإقطاع والإقصاء، ناهيك عن التبعية والعمالة للخارج، متخطّين الإطار الديمقراطي الحر.

هذه الممارسة "العاطلة" أدّت إلى إنقسام رؤيوي استند إلى أكثر من بُعـد. على سبيل المثال، نكتفي كمركز أبحاث PEAC، وكناشطين سياسيين، بالتذكير بِبُعدين:


ree

البُعـد الأول: الدفاع عن السيادة الوطنية التامة والناجزة ضمن الأطر الدستورية ومندرجات القرارات الدولية التي صدرت دعمًا للسيادة الوطنية، كما الإقرار بمظلة الدستور، والإحتكام إلى المؤسسات الدستورية الشرعية، والتسليم بسيادتها الوحيدة.

البُعـد الثاني: العمالة والولاء للخارج، والتطاول على القانون، وضرب أواصر الديمقراطية، ونهج ميليشياوي أطبق على كل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وصادرها، وأمعن في الخراب، بمعية حُكّام تُجّار سياسة.


ree

حاليًا، يعيش الفكر السياسي اللبناني في مأزق يتسِّم بصعوبة تجاوزه؛ فهو إستنزاف للتقليد المُمارس منذ الإستقلال، مرورًا بحرب الآخرين على أرض لبنان، إلى وثيقة الوفاق الوطني (إتفاق الطائف)، إلى النظام السياسي الحالي الزبائني المحاصصي، وأشكال التفكير التضليلي الذي أضحى منطلقًا شبه مقبول بالإجماع، نظرًا لعدم القدرة على قيام حركات وعي سياسية ديمقراطية تتجسّد في سيادة سياسية مستقلة، تستبعِد هذا المشاريع القاتلة للحرية الفكرية.


ree

يظهر اليوم، من خلال الممارسة السياسية القائمة، أنّ مبادىء وغايات السياسة لم تعد موضوعًا للنقاش، ممّا فرض توافقًا حول القيم اللاأخلاقية التي أصبحت مفروضة على المجتمع اللبناني؛ تفوّق فوضوي في الممارسة السياسية يتعارض والنظام الديمقراطي، حيث يُهمل الدفاع عن السيادة الوطنية وحقوق اللبنانيين المتممة لشرعة حقوق الإنسان، كما التأكيد على دكتاتورية التمثيل كشرط أساسي من أجل حكم اللبنانيين تحت الوصاية والعمالة.


ree

نحن في زمن مأزق الفكر السياسي اللبناني، الذي لا يؤسِّسْ لرؤية وطنيّة مستقلّة، ولا لرسم إستراتيجية وطنيّة تحمي الممارسة السياسية الشفّافة، بل هو فكر غوغائي شرّير، ذات أبعاد مصلحية، فكر أنتجته طبقة سياسية عميلة للخارج، متواطئة خائنة، بعيدة كل البُعد عن الممارسة السياسية التي تستظّل القوانين المرعية الإجراء؛ فكر إقصائي، إلغائي، دكتاتوري، غير نزيه، يحمل كل أشكال التعبير النتنة. يعني ذلك أنّ هذا الفكر أوصل اللبنانيين إلى الهاوية من خلال البرامج السياسية التي إعتمدها، والتي أدّت إلى ضرب أواصر الجمهورية السيادية، وقضت فعليًا وعمليًا على كل مقومات الدولة. وهذا يعني أنّ الشعب اللبناني أمام فكر سياسي مأزوم، في حالة عطب حادّة.


ree

مأزق فكر سياسي لبناني حادّ، فاشل في التصحيح والتدارك، وها هو اليوم أمام موقف مفصلي من قضية السلاح الغير شرعي. وهذا الأمر سيُدخلنا في مواجهة مع المجتمعين العربي والدولي، إنْ لم يُحسِن أصحاب السلطة إتخاذ الخيار السليم في هذا الإطار، ممّا يعني الفشل الذريع في مقاربة هذا الموضوع، ويعني أيضًا إنسدادًا لا يقبل أي تصويب، لأنه يتنافى ومبادىء السيادة التامة والناجزة. والتصويب السليم يكون في الخروج الكُلّي عن المسار المُتبع حاليًا، بإزدواجية الدويلة التي تقضم مبدأ الدولة.

الفكر السياسي اللبناني الحالي يُوصَف بأنّه مأزوم، وهذا الإستنتاج بات واضحًا من قبل كل المراجع اللبنانية والعربية والدولية.



وبالتالي، وصل هذا الفكر إلى طريق مسدود، وعمليًا، ليس بأزمة عارضة قابلة للإحتواء، عن طريق إمّا التصويب أو التصحيح. فكر فاشل في الأداء والأفكار والممارسة، وبالتالي، على الجميع مراجعة المفاهيم والأفكار، وسدّ الثغرات، والكفّ عن إعتماد طرق التكيُّف، واستيعاب المتغيرات، وسوء التقدير، والتستُّر بأعذار واهية (حرب أهلية). هذا الفكر السياسي المأزوم أفرز تناقضات فكرية، وإنشطارات في الرأي العام، ولّدَتْ أشكالاً متعددة من الرفض للحاضر السياسي المُعاش، وللمنظومة السياسية التي تتناقض ومبدأ السياسة وإزدواجية السلطة.


ree

"عدم قدرة القوى المُسلّحة على القيام بواجباتها"، هذه الفكرة التي يُروّج لها من قبل سلطات الأمر الواقع، صاحبة الفكر المأزوم، تُسبِّب أزمة سياسية فكرية عميقة. وهذه الأزمة ليستْ مُجرّد فكر مؤقّت، بل تمثِّل تحديًا جوهريًا لمبادىء الديمقراطية، وللسيادة التامة. وهي كناية عن تصوّر فكريّ أحادي، تغلب عليه المصالح الأنانية على الدواعي السيادية. وهو فكر عاقّ، خارج سياق التاريخ اللبناني وسننه وقوانينه؛ فليس في التاريخ السياسي اللبناني (الفكر الحر) عفويات وعشوائيات، ولا يوجد نصر حكـر على مجموعة ما.

ظاهريًا، لقد وصل الفكر السياسي الحالي إلى مأزق، والعوْد عنه لا يكون بغير تغيير المنطلقات التي أفضتْ إلى ذلك المأزق. ولا سبيل إلى خروج الفكر السياسي الحالي من إنسداد طريقه، غير خروجه من ذات الطريق التي أوصلته إلى النهاية المقفلة.


ree

هذا الفكر السياسي اللبناني المُمارَس في ظل الهيمنة الميليشياوية، والتدخل الإيراني السافر، راكما مزيدًا من الأزمات، منها: إعادة إسرائيل لإحتلال قسم من الأراضي اللبنانية. وهذا مأزق حاد وراهن، لا يبدو أنّ الخروج منه بالأمر الهيِّن، علمًا أنّ الداخل اللبناني والدول العربية والمجتمع الدولي أجمعوا على "أنّ لُبّ الأزمة هو ميليشيا عسكرية موالية للخارج، ورّطت البلاد بأزمة حادّة، وبأزمة مصيرية، قد تقضي على كيان الدولة".



حقًا، إنها أزمة سياسية حادّة، ممّا سيؤدي إلى زعزعة ما تبقّى من إستقرار، وستقضي على السيادة الوطنية.

مأزق الفكر السياسي اللبناني سببهُ التقاعس المستمِرّ في تنفيذ السياسات الإنقاذية، في غياب سلطة وطنية قويّة تقوم بوظائفها كاملة. الأوضاع السياسية، الأمنية، الإقتصادية، المالية، الإجتماعية المتردّية، لم تُعالج وفقًا للقوانين المرعية الإجراء، ولا تلوح في الأفق أي بوادر سياسية من شأنها إخراج لبنان من هذا المأزق، أو خلق نقطة تحوّل واضحة.



إنّ كل مراكز الأبحاث، بما فيها مركز PEAC، تخشى من إحتدام النقاش، وتعمُّق الإنقسام، ممّا سيؤدي إلى إنحراف الأمور عن مسارها، وتتخوّف من مسار تصادمي مع المجتمعين العربي والدولي، يُبرِّر أحداثًا خطيرة على الدولة ومؤسساتها والشعب اللبناني...

من هذا المنطلق، إنّ شعار ومطلب "دولة مستقلّة وعادلة" يجب أن يكون شعارًا إستراتيجيًا من شأنه إخراج الوضع الحالي، بفكره المأزقي، من دورة الأزمات المفتوحة، عبر إعادة النظر في الممارسة السياسية الحالية، حيث الأمر يتطلّب إعادة النظر في الأداء السياسي نحو مشروع وطني، بفكر سياسي متنوّر، يحتاج إلى إرادات حقيقية، ورجالات تاريخية، بحجم "تعديل حكومي طارئ". لأنّ الفكر السياسي الحر، والممارسة السياسية عبر سلطة تنفيذية مُعدّلة، هما المدخل لإنتظام الفكر السياسي...

وإلاّ سنبقى في دوّامة مأزق الفكر السياسي اللبناني...فهل من يسمع ويقرأ ويتّعظ؟!

د. بسام ضو


تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
bottom of page