السياسة وتطبيق القوانين
- يللا اليوم
- 7 سبتمبر
- 3 دقيقة قراءة

يللا اليوم - كتب بسام ضو - يتمثّل الالتزام السياسي للمنظومات الحاكمة بتبني مواقف سياسية محدّدة وواضحة ومستمرّة، عناوينها القوانين والأعراف والمعاهدات الدولية. تُترجَم في العادة عبر تشكيل الحكومات التي تعتمد الأطر الدستورية لممارسة النظام السياسي، من خلال المحافظة على سيادة الدولة ومؤسساتها الشرعية المدنية والعسكرية.
وضع لبنان في هذه المرحلة يتطلب جهودًا مضنية، وعقلية سياسية منفتحة، ونظرة استراتيجية لواقعه المرير، علمًا أنّ الأوضاع العامة في البلاد باتت تشي بخطورة كبيرة ودقيقة. وقد ألزمت هذه الخطورة مراجع عربية ودولية الدخول مباشرة على خط حلحلة هذه الأزمة، وهذا التدخل أتى نتيجة خرق للمبادئ السيادية التي تقوم عليها الدول المستقلة.
في المراحل السابقة، كان البناء القانوني لمفهوم السيادة الوطنية اللبنانية معرّضًا لخطر كبير بسبب الأنشطة التي مورست من خارج الحدود، حيث أوشكت كل مكوّنات الدولة اللبنانية أن تنهار وتصبح عاجزة عن ممارسة اختصاصاتها السيادية على أرضها وعلى حدودها المعترف بها دوليًا، خاصة فيما يتعلق بالمحافظة على الأمن الداخلي والأمن الإقليمي والأمن الدولي، وحتى على كيانية الدولة بمؤسساتها الشرعية. ناهيك عن أنّ الأنشطة التي تمثلت بمبدأ ميليشياوي مدعوم من أركان سلطات لبنانية محلية متعاقبة، وغضّ نظر من بعض الفاعلين على المسرح السياسي الإقليمي والدولي، أثرت سلبًا على الوضع العام. وعمليًا باتت السيادة منتقصة، مما أوصل الأمور إلى حرب ضروس تعدّت كل الأطر المخالفة لمندرجات القانون الدولي.
سؤال يطرح نفسه في خضمّ المساعي الحاصلة: هل في لبنان سيادة سلطة سياسية فاعلة وفعليّة؟ كلا، لأنّ النظام السياسي الذي كان قائمًا لم يكن نظامًا يستطيع تنفيذ إرادته على إقليمه وتفعيل أدواره المطلوبة منه وفقًا للقانون الدولي، ووفقًا للدستور اللبناني والقوانين المرعية الإجراء. ولم يكن هذا النظام قادرًا على ممارسة سياسة شفافة. مرحليًا، فلول هذا النظام ما زالت قادرة على التأثير سلبًا، وهناك أوساط محلية ودبلوماسية عربية ودولية تخشى من خطورة عرقلتها للمهام التي تقوم بها الحكومة اللبنانية، لناحية مبدأية حصر السلاح تطبيقًا لمقررات الحكومة المركزية الشرعية، ولرغبة عربية ودولية بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
وفقًا لمبدأ السياسة والقانون، فإنّ السيادة كواقع سياسي تعني القدرة الفعلية للحكومة على إنفاذ إرادتها في المجالات التالية: محليًا، إقليميًا، ودوليًا، محددةً مصالحها، ولا تسمح بالتقيّد بإملاءات داخلية أو خارجية. والمطلوب اليوم من النظام السياسي اللبناني أن يقوم بأكمل دوره في بسط سلطته على مواقع القرار السياسي والعسكري، وإضعاف أي دور محلي أو إقليمي يُمارس على الأرض اللبنانية يحمل عنوان التبعية في التعامل مع أي دولة إقليمية. كما يقتضي الضغط القانوني المتزايد على هذا الدور الفوضوي (لأنه مخالف لوثيقة الوفاق الوطني لناحية بند حل كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، ونص قانون الدفاع الوطني الذي يحصر مهام الدفاع بالأجهزة الأمنية العسكرية الشرعية، إضافة إلى الإجماع اللبناني والعربي والدولي على حصرية السلاح)، لمنعه من القيام بمهام العرقلة تحت ستار "التخوّف من الحرب الأهلية". كفى لبنان ونظامه السياسي تدخلات إقليمية تتنافى والقانون الدولي، وسياسة ترابط أزمات وتبادل رسائل من على الأرض اللبنانية، وتقاعس في مقاربة الأمور ما أدّى إلى تغير مفهوم السيادة من صفة الإطلاق إلى الجزئية والاضمحلال.
في مفهومنا البحثي كمركز أبحاث PEAC، إنّ نموذج النظام الفاعل والرشيد من المفترض أن يُقدّم مقاربة سياسية علمية لتحقيق جودة نظام الحكم وكفاءة التسيير. باعتبار أنّ "قرار حصرية السلاح" الذي اتخذته الحكومة اللبنانية بواقعها الراهن وتركيبتها (تركيبة المحاصصة)، وترجمته عمليًا على الأرض، يمثّل الأولوية في التطبيق رغم بعض الانتقادات التي وجّهتها بعض المراجع المشاركة في الحكومة ومن يناصرها في الشارع. وهي في أغلبيتها جماعات مضلَّلة تُشوّه الوقائع وفق معايير العمالة وعدم الولاء للوطن ولمؤسساته الشرعية (سلطات تشريعية – إجرائية – تنفيذية).
إنّ تحقيق بند حصرية السلاح يمثّل غاية ملحّة في المرحلة الحالية، التي تتميّز برغبة محلية وإقليمية ودولية تُعيد للسياسة اللبنانية ولمبدأية تطبيق القانون والسيادة شمولية نفاذ السيادة المطلقة على كامل الأراضي اللبنانية.
في هذا السياق، نسعى كمركز أبحاث PEAC إلى تقديم كل الدعم للنظام السياسي القائم كنموذج فكري إصلاحي وطني صرف، طارحين منظومة سياسية – عسكرية – قانونية – دبلوماسية لتطبيق بند حصرية السلاح. وذلك من خلال المساهمة الفعلية والعملانية لنشر القوى الشرعية على كامل التراب الوطني، وتوعية الشعب اللبناني المضلَّل، ورعاية مشاريع التنمية المستدامة، وتحقيق الكفاءة السياسية والإدارية وفاعلية الأداء الحكومي (إن لزم الأمر اعتماد مبدأ تعديل حكومي). إنّ دعمنا للنظام السياسي، على المستوى النظري والتطبيقي، يسعى إلى إيجاد الصيغة المثلى لهندسة نظام سياسي عبر حكومة تعتمد على المبادئ الديمقراطية وحسن اختيار وزرائها، وتتميّز بنظام سياسي رشيد وحكومة فاعلة ذات فعالية.
بسام ن. ضو
كاتب وباحث سياسي – أمين سر المركز الدولي للأبحاث السياسية والاقتصادية PEAC
تعليقات