بحثًا عن قرار سيادي يُصنع على أيدي اللبنانيين الشرفاء
- يللا اليوم

- 9 يوليو
- 3 دقيقة قراءة

يللا اليوم - ماغازين - مقال بقلم د. بسام ضو - لبنان - اعتمدتُ عنوانًا لهذه المقالة، يقينًا مني أن مجمل القرارات المصيرية غالبًا ما تكون على حساب الجمهورية اللبنانية ومؤسساتها الشرعية المدنية والعسكرية، لا بل تكون مجمل القرارات الصادرة عن الجهات الإقليمية والدولية نتيجة قصر نظر المسؤولين اللبنانيين، وضعفهم، وعدم قدرتهم على ممارسة سياسة شريفة نبيلة تهتم بشؤون الجمهورية والشعب.هذا الوطن، "لبنان"، الذي أحببناه ودافعنا عن كل سيادته، ورفضنا رفضًا قاطعًا أن تُجتزأ أو تُحتلّ من الجيوش التي تتاخم حدودنا، هذا الوطن الذي نحبّ ونقدّس ترابه، ونعطيه كل ما نعطيه من جهد وزخم، هو جزء لا يتجزأ
من محيطه اللبناني – العربي – الدولي، كما هو بالنسبة لكل الباحثين ومراكز الأبحاث المحلية والإقليمية والدولية في تفاعل مستمر مع ما يحدث في دول المنطقة، وهو بوصلة الحلول ورسالة حرية وعنفوان.في كل دول العالم، يتم اختيار المسؤولين بطرق ديمقراطية صرفة، وهذا الأمر من البديهيات الوطنية في الأوطان المستقلة التي تحترم الأصول الديمقراطية. في كل مناسبة، يُبحث عن قرار يُصنع على أيدي من هم خارج الحلبة السياسية اللبنانية، والحلّ الذي يُعتمد يضمن للأطراف اللاعبة على المسرح السياسي اللبناني مصالحها، على حساب المصلحة اللبنانية.فكرة صناعة القرار في الخارج هي المسار المخزي إلى درجة أنه، في هذه المرحلة، استقال الجميع من مسؤولياتهم، وباتوا ينتظرون المبعوث تلو المبعوث. وحالة تكرار الأمر لا تُعدّ ترفًا، بل أمرًا مؤسفًا،
ويلزمنا طرح بعض الأسئلة الجوهرية التي تتمحور حول: من يقيّم نتائج هذا التدخل من القوى السياسية والروحية؟ وما هو موقفهم من هذه التدخلات؟في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ لبنان وسوء الإدارة السياسية، هل يمكن وضع حدّ للتدخلات الخارجية في الشؤون اللبنانية، أو على الأقل التخفيف من وطأتها؟ هل يمكن التخفيف من التدخلات الخارجية في رسم بعض القرارات التي غالبًا ما تكون على حساب السيادة الوطنية؟التجارب التي نمرّ بها تدلّ على أن التدخلات الخارجية في صلب القرار اللبناني شديدة الوطأة، خصوصًا في مرحلة اللاسيادة والسلاح غير الشرعي، ومرحلة الديمقراطية المزيّفة.قرارات مصيرية تُرسم في الخارج وتُطبّق في
الداخل، هذه القرارات أكسبتنا عبودية، وباتت مشحونة بالعواطف والمشاعر المزيفة... موفدون يأتون إلينا حاملين حلولًا على حسابنا، ومسؤولين مُلزمين بالتطبيق الحرفي.لم يَعُدْ عمل ساسة لبنان مقتصرًا على تطبيق الدستور والقانون والعمل على تصويب السياسة العامة، بل أقحمتنا سياساتهم في صلب عملية تسليم الوطن والشعب للجلادين ولسلطات الأمر الواقع.
عمليًا، كمركز أبحاث PEAC، واستنادًا إلى الدراسات التي نجريها بشكل دوري، وبعد مطالعات مستفيضة، أصبح لدينا قناعة أنّ الطرق التي تسلكها القوى الخارجية في رسم القرارات تسمح لها بالتدخل المباشر، وباتت أمرًا واقعًا.وإننا ندرك، وبعد مشاورات لبنانية – إقليمية – دولية، أنه ليس من السهل التخفيف من وطأة هذه التدخلات. والجدير ذكره أن كل القرارات، بدءًا من وثيقة الوفاق الوطني إلى اتفاقية الدوحة، إلى وقف إطلاق النار بين الحزب ودولة إسرائيل، ركزت على التدخل في كل مفاصل الجمهورية والمؤثرة فيها.والمهم أن هذه القرارات تركز على مواقع السلطة (رئاسة الجمهورية – مجلس الوزراء – مجلس النواب)، لأنها من صلب الحياة السياسية التي تستقيل من مهامها طوعًا، لأنها مقيّدة بالتحالفات والمصالح الخاصة.
التدخلات الخارجية لها أهمية من الناحية الاستراتيجية والجيوسياسية، وكل الدول الفاعلة على المسرح السياسي الإقليمي والدولي
تجد من الأنسب ممارسة هذا التدخل عبر المواقع الرسمية وبعض المناصب الأخرى (رؤساء الأحزاب).وبالتالي لا تتردّد في سلوك هذه الطرق، لأن السياسة اللبنانية في حالة إعاقة لا مثيل لها، ولا إمكانية للشفاء من علّة الداء.
سياسيًا، التدخلات الخارجية وصلتْ في حدّها الأقصى إلى اختيار وثيقة سياسية كُتبتْ خارج البلاد، من دون مراعاة حق الشعب اللبناني في تقرير مصيره. وهذا النص أتى لمصلحة مراجع إقليمية – دولية، نظرًا لحجمها ولدورها، وكذلك لاتجاهاتها السياسية والاقتصادية والمالية.وهذا النوع من التدخلات من المعتاد أن يتأقلم معه ساسة الأمر الواقع.إن نهج التدخل في رسم الخيارات السياسية من قبل الخارج، بسيطرة قوة واحدة تأمر وتنهي على الدولة (التدخل السوري في المرحلة السابقة الذي أخذ طابعًا شرعيًا
من الدول العربية ودول القرار في الغرب)... نتيجة هذا التدخل كان ترجيح مصلحة هذا الخارج على مصلحة الشعب اللبناني ومؤسسات الدولة.
بحثًا عن قرار سيادي يُصنع على أيدي اللبنانيين الشرفاء، يتطلب الأمر تعزيز الوحدة الوطنية، وتفادي إشكاليات التفرقة والعمالة، كما الانسجام مع روحية الميثاق الوطني وتطبيق الدستور. إنّ المطلوب من الشرفاء دفع الخارج إلى احترام السيادة الوطنية اللبنانية،
ممثلة بسلطات دستورية شرعية منبثقة عن انتخابات حرّة ونزيهة، غير مسيّسة كما كانت تجري في السابق.هل من مرجعيات سياسية وروحية همّها السعي إلى سيادة تامة ناجزة، تحكمها طبقة سياسية شريفة تحدّ من دوافع التدخلات الخارجية وخطرها على الجمهورية اللبنانية؟طبعًا، الجواب صعب، لأنّ المسؤولين الزمنيين والروحيين صمّوا آذانهم عن سماع صوت الحق والضمير!
بسام ن ضو (كاتب وباحث سياسي)








تعليقات