| |

العظة
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان "يا معلم أن أبصر" (مر10: 51)، قال فيها: "في آية شفاء الأعمى في أريحا، يبين لنا الرب يسوع أنه بالحقيقة "نور العالم" (يو8: 12)، ويعلمنا أنه نور البصيرة الداخلية، نور العقل والقلب، وأن هذا الأعمى العينين كان مبصرا حقا بإيمانه. فأدرك أن "يسوع الناصري" هو المسيح المنتظر الحامل رحمة الله للبشر، "والنور العظيم
وتابع: "يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، ونلتمس نور المسيح، يضيء عقولنا وقلوبنا، ويمنحنا البصيرة الداخلية، لكي نسير في ضوء إيماننا المسيحي المستنير، ولكي نحسن قراءة علامات زمننا، ومعاني أحداث الحياة اليومية، الخاصة والعامة. ونصلي من أجل المسؤولين في بلادنا لكي يستنيروا بنور المسيح، نور شخصه وكلامه وآياته، لكي يحسنوا انتقاء خياراتهم الفضلى في خدمة الوطن وشعبه، وتأمين الخير العام الذي منه خير الجميع".
أضاف: "نحيي جميع الحاضرين معنا، وبخاصة سيادة أخينا المطران منير خيرالله، على رأس جمعية كشافة لبنان التي يرعاها، ونحيي رئيسها السيد جان أبو صوان والهيئة الإدارية للمؤتمر الكشفي الكاثوليكي العالمي الذي يختم اليوم أعماله في بيروت، وقد بدأها منذ يومين. ونرحب برئيسي المؤتمر الآتيين من الولايات المتحدة الأميركية وإيطاليا، وبالمرشد العالمي الآتي من فرنسا، وبأمناء السر ومرشدي المناطق وأمين الصندوق، وهم من لبنان وأميركا وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا".
وتابع: "كما نرحب بالحركة الرسولية المريمية، فرقة "أم المشورة الصالحة"، في رعية سيدة الوردية - زوق مصبح، التي نحتفل معها اليوم، بحضور المجالس المسؤولة والأعضاء والمرشدين في الحركة على الصعيد اللبناني، بافتتاح اليوبيل الذهبي، وهو مرور خمسين سنة على تأسيسها في الرعية. فنحييهم جميعا، ونحيي فرقها الخمس: البالغين والشبيبة والفتيان والأحداث والبراعم وأهلهم، وجوقة الرعية وفرقة خدمة المذبح، الآتين جميعا من زوق مصبح. تعود بي الذاكرة إلى سنوات ما بين 1975 و 1984، التي كنت أخدم فيها هذه الرعية، مع آباء من رهبانيتنا المارونية المريمية، وأرشد الحركة الرسولية المريمية في لقاء أسبوعي، وأتعاون معها في مختلف النشاطات الروحية والراعوية واللقاءات الإنجيلية، والرياضات الروحية، وقد أعطت الكنيسة دعوات رهبانية رجالية ونسائية. وكانت الحركة في بداياتها.
إننا نشكر الله معكم على الثمار الروحية والكنسية والاجتماعية التي أغدقها عليكم وعلى رعية زوق مصبح العزيزة وعلى المجتمع والكنيسة، على مدى هذه الخمسين سنة. وها أنتم تجددون الوعد بالاغتناء من روحانية الحركة، وبسماع كلام الرب في الإنجيل، وتثقيف الذات بتعليم الكنسية، والالتزام بدينامية في الرسالة المسيحية على صعيد الحياة العائلية والاجتماعية والوطنية، تحت نظر أمنا مريم العذراء وعلى مثالها في قول "نعم" لتصميم الله الخلاصي، والمشاركة في تحقيقه. وتنطلقون من جديد نحو آفاق جديدة، على هدي الروح القدس، وبالتعاون الكامل مع رعاة الكنيسة وتوجيهاتهم، التي تصل إليكم عبر الأسقف المحلي وكهنة الرعية".
وقال: "يا معلم أن أبصر"(مر10: 51). ما أحوجنا اليوم، أفرادا وجماعات، إلى أن نوجه هذه الصرخة إلى المسيح الرب: "أن أبصر، أن نبصر". إلتمس الأعمى البصر لعينيه المنطفئتين، أما عقله وقلبه فكانا مبصرين، إذ عرف حقيقة يسوع الناصري. الجمع الغفير الذي كان يرى يسوع ويرافقه، لم ير فيه سوى إنسان مذهل، إسمه "يسوع الناصري"، كما سمع الأعمى من المرافقين. أما هو، وبفضل عقله المستنير وقلبه المؤمن، فراح يصرخ وينادي يسوع، لا باسمه الاجتماعي، بل باسمه الروحي، الكتابي، المشتق من رسالته: "يا ابن داود ارحمني"(مر 10: 47و48). لقد أبصر أنه المسيح المنتظر، الملك الجديد من سلالة داود، الحامل رحمة الله إلى مساكين هذا العالم.
ألم يعلن يسوع هويته ورسالته الخلاصية، يوم دخل مجمع الناصرة، وقرأ ما كتب عنه أشعيا قبل سبعماية سنة: "روح الرب علي: مسحني وأرسلني لأبشر المساكين، وأنادي للمأسورين بتخليتهم، وللعميان بالبصر، وللمرهقين بتحريرهم، وأنادي بزمن مقبول لدى الله"(لو4: 16-21)؟ هوية يسوع الناصري هذه ورسالته، أدركهما الأعمى ببصيرة قلبه المؤمن. فكان حقا المبصر الحقيقي بين الجمع.
سقط نداء الأعمى الإيماني في صميم قلب يسوع، فأمر بدعوته إليه، ليبين للجمع أن هذا الأعمى هو المبصر الحقيقي، وسأله يسوع: "ماذا تريد أن أصنع لك؟". لا شك في أن الشعب كان يتوقع من الأعمى أن يطلب صدقة اعتاد استعطاءها من الناس، وهو جالس على قارعة الطريق. أما هو فطلب من يسوع ما كان يؤمن به: "يا معلم، أن أبصر". فقال له يسوع: "أبصر. إيمانك خلصك". فأبصر للحال ومشى معه في الطريق(مر10: 51-52). وهكذا اكتمل الأعمى في كل إنسانيته: بعينين خارجيتين تنظران جمال خلق الله، وببصيرة القلب المستنير بالإيمان ترى ما وراء المحسوس والمنظور في عالمنا وفي حياتنا اليومية وأحداثها، وتقرأ علامات زمننا المتلاحقة والمتجددة. بفضل شفاء الأعمى انكشفت هوية يسوع ورسالته. هويته أنه النور، ورسالته أنه ينير كل إنسان يأتي إلى العالم(يو1: 4)".
وتابع: "نعيش في زمن، لا يرى فيه معظم الناس سوى مصالحهم وسطحيات الأمور، ولا يدركون إلا ما يرونه هم وبحسب فهمهم وإدراكهم. ذلك أنهم فريسة تيارات ثلاثة تجتاح المجتمعات البشرية، وهي النسبية والاستهلاكية والنفعية.
فالنسبية تضع جانبا الحقيقة الموضوعية المطلقة، فلا يصدق الانسان الفرد أو يعتقد إلا ما يراه من منظاره الضيق المرتبط بمصلحته واختباراته ومنحى حياته، ويعتمد بالتالي على حريته الشخصية، كقيمة مطلقة، ويتصرف كيفما يشاء من دون أي مرجعية روحية وأخلاقية. تيار النسبية يمنع الحرية من أن تكون في خدمة الحقيقة.
والاستهلاكية تضع الانسان في حالة من العبادة لما يملك، والسعي المفرط إلى جمع المال، وتلبية نداءات الشهوة. الاستهلاكية تنتزع من داخل الانسان أسسه الأخلاقية والمناقبية، وتفرغ نفسه من القيم الروحية، وتخلف عنده ذهنية مادية كلمتها واحدة: "ماذا تعطيني".
والنفعية تخلق عند الانسان عينا جائعة، تبحث فقط عن المنفعة الشخصية. تحت وطأتها يصم الإنسان أذنيه، لئلا يسمع نداء المحتاج والمسكين، فيحجب نظره عن بؤس الآخرين لئلا يضطر إلى مد يد المساعدة إليهم.
لعلنا نحن منهم! يا رب، أعطنا إيمان الأعمى وبصيرته، لكي ندرك هذا العمى فينا، ولكي يدركه كل إنسان، ولا سيما المسؤول في العائلة والكنيسة والمجتمع والدولة".
أضاف: "إننا نصلي من أجل المسؤولين في المجلس النيابي، الذي يعقد جلساته التشريعية في هذه الأيام لكي يروا الأمور على أساس الحقيقة المطلقة المتعلقة بالدولة والإنسان والوطن، وبحاجات المؤسسات العامة وحاجات المواطنين، وبإمكانيات الدولة وموجباتها تجاه الشعب، مع حفظ التوازن في ما بينها، حماية للجميع. هذه الرؤية متوجبة أيضا على الشعب اللبناني والنقابات".
وقال:"إنطلاقا من هذه المبادىء، نرجو من نواب الأمة وضع التشريع المناسب للأمور العالقة، ونذكر منها سلسلة الرتب والرواتب بحيث تضمن الدولة مصادر تمويلها من دون أن ترهق الخزينة والمواطنين بمزيد من الضرائب وسط أزمة إقتصادية ومعيشية خانقة، وتعطي أصحاب الحقوق حقوقهم العادلة، والزيادة المحقة لأجور المعلمين، مع المحافظة على المدرسة الخاصة والكاثوليكية، فلا ترهق الأهل، ولا تظلم المعلمين، ولا ترغم المدرسة على إقفال أبوابها، وحرمان المعلمين من فرص العمل، وتشريدهم. بل من واجب الدولة أن تحافظ على هذه المدرسة، وتعمل على شد أواصر الوحدة والتعاون بين الأهل والمعلمين والإدارة، لخير أجيالنا الطالعة. وإننا نكرر رفض الظلم المتعمد بحق أهالي الطلاب والمدرسة معا في إقرار أي مفعول رجعي لزيادة الأجور. كما نذكر إقرار ما يتعلق بالتعديلات على القانون 210 بحيث يساوي بين المؤسسات الإسلامية والمسيحية لناحية الضرائب والرسوم المفروضة عليها، علما أنها مؤسسات لا تتوخى الربح لكونها تعمل في خدمة التربية والصحة والحاجات الاجتماعية والروحية والإنسانية، وتخفف عن الدولة عبئا كبيرا من مسؤولياتها الأساسية".
وتابع: "أما والبلاد تستعد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، في غضون المهلة الدستورية الجارية، وقد انقضى منها حوالي خمسة عشر يوما، فإننا نصلي لكي ينظر المسؤولون السياسيون إلى هذا الاستحقاق الأساسي في حياة الوطن، بروح التجرد من المصالح الشخصية والفئوية، وبروح المسؤولية في إيجاد الرئيس المناسب للظرف الراهن المتنوع الحاجات: السياسية والاقتصادية والأمنية، وهو ظرف يقتضي بناء الوحدة الداخلية، ونسج علاقات التعاون مع العالم العربي والأسرة الدولية، وإعادة لبنان إلى تحمل مسؤولياته ودوره في صنع الاستقرار والسلام في المنطقة، وتعزيز العيش معا بالمساواة والممارسة الديموقراطية الحقة".
وختم: "إننا، باسم الجميع، نناشد دولة رئيس مجلس النواب أن يدعو المجلس، فور انتهاء جلساته التشريعية، إلى عقد جلسات إنتخابية، لكي يتبلور، عبر الاقتراع والتشاور، شخص الرئيس العتيد. ولبنان يحتاج اليوم إلى رئيس قوي أولا بأخلاقيته ومثالية حياته وأدائه عبر تاريخه، ثم بقدرته على تقوية الدولة بكيانها ومؤسساتها ووحدتها وسيادتها، وبالدفاع عنها وعن الدستور والميثاق الوطني والثوابت، رئيس قوي، قوته في وضع حد للفساد في الإدارة، ولسلب المال العام وإرهاق خزينة الدولة بسرقتها وحرمان المواطنين حقوقهم، رئيس قوي في المكون الآتي منه. إن "المذكرة الوطنية" التي أصدرناها ترسم تماما شخصية الرئيس القوي الذي يحتاج إليه لبنان اليوم. فحذار التلاعب بهذا الاستحقاق الرئاسي الذي هو أساس كل مؤسسات الدولة! فالكلام عن الفراغ أو السعي إليه لأغراض خفية، إنما هو إهانة لكرامة الوطن والشعب، ودليل عجز لدى نواب المجلس والمسؤولين. إن تأمين النصاب وانتخاب الرئيس إلتزام وطني وأخلاقي مشرف.
هذه صلاتنا نرفعها إلى الله، على يد أمنا مريم العذراء سيدة لبنان وسلطانة السلام، التي كرسنا لقلبها الطاهر لبنان وبلدان الشرق الأوسط، مسبحين وممجدين الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، الآن وإلى الأبد، آمين.
مغامس
وألقى في ختام القداس رئيس الحركة المريمية الرسولية جوزف مغامس كلمة، شكر فيها للبطريرك رعايته هذا اليوبيل، حيث "كانت له اليد الكبرى في إنجاح هذه الجماعة، ولصلواته الفضل في استمراريتها".