
الراعي
وألقى البطريرك الماروني كلمة قال فيها: "إحتفالية تاريخية كبيرة مزدوجة تجمعنا اليوم: إطلاق مؤلفات كمال يوسف الحاج الكاملة، وتوقيع الميثاق التأسيسي لبيت الفكر- أسسية كمال يوسف الحاج، في رحاب جامعة سيدة
أضاف "فكم نكبر عمل نجل الفيلسوف الكبير، العزيز الدكتور يوسف كمال الحاج، بجمع مؤلفات والده باسم "مؤلفات كمال يوسف الحاج الكاملة"، وهي حاليا أربعة عشر مجلدا فضلا عن المجلد التقديمي لها، وهو بمثابة مقدمة عامة مع عناصر بيوغرافية حول الفيلسوف الكبير. وسيعنى "بيت الفكر- أسسية كمال يوسف الحاج" بإصدار النتاج الكامل له بإضافة خمسة مجلدات أخرى وبسواها من الإنتاجات الفكرية، وفقا لأهداف "بيت الفكر".
وتابع "وكم نثني على مؤسسي "بيت الفكر": جمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة، جامعة سيدة اللويزه، معالي الأستاذ ميشال إده، شركة جورج نعمة الله افرام بربتشويتي ليميتد (Perpetuity Limited)، وأسرة الفيلسوف كمال يوسف الحاج. الشكر لكم على إحياء ذكرى كمال يوسف الحاج بروحه ونتاجه. إنكم بهذه المبادرة من وحيه، تطلعون علينا فجرا يخرج لبنان من ظلمة اللافكر إلى حقيقة وجوده ورسالته، إنطلاقا من قول فيلسوفنا: "لولا العقل لما كان لبنان. وأكاد أقول: لولا لبنان لما كان العقل".
واعرب عن سعادته في أن "أحيي تحية خاصة، زوجة الفيلسوف كمال يوسف الحاج، السيدة ماغي الأشقر الحاج، شريكة قلبه ولغته وفكره، التي، بعد مأساة استشهاده في ذاك اليوم المؤلم والمظلم، 2 نيسان 1976، الذي دفع فيها زوجها ضريبة الحق الكبرى، راحت تهرب مؤلفاته الدرر، وتجمع أولادها الخمسة تحت جناحيها، وتطلق ورشة مجموعة مؤلفاته الكاملة. فلك كل الشكر، أيتها الزوجة الأمثل والأم الأحب. فإني، تعبيرا عن الشركة الوطيدة بين البطريركية المارونية، التي أرساها الفيلسوف كمال يوسف الحاج مع البطريرك الكردينال بولس بطرس المعوشي بمؤلفة "بكركي صخرة الخلاص"، وبغية مواصلتها مع العائلة بشخص نجلكما الدكتور يوسف، يسعدني أن أقدم لك ولنجلك، في ختام هذه الكلمة، مدالية البطريركية ورسم البركة الرسولية ومجموعة "روحانية قنوبين" وسبحة العذراء العزيزة على قلب الدكتور كمال الذي طالما ابتهل إليها: "يا مريم، يا أمي، الجهل يحيط بي، فكوني نوري. الموت يحيط بي، فكوني حياتي. أنا تائب إلى ابنك، ألف البداية، وياء النهاية".
وقال: "كمال يوسف الحاج، ابن الشبانية العزيزة، جوهرة لبنانية وصفها عارفوه بالعمق، من خلال كتاباته وفكره، بعشرة ألقاب هي بمثابة إكليل مجد على رأسه، فهو: فيلسوف اللغة العربية، وقد وضع كتاب "فلسفة اللغة" الذي سطر فيه أرفع دفاع فلسفي عنها وعن وزنها الأنطولوجي في الشخصية اللبنانية. فكانت "فلسفة اللغة" الركن الأساس الذي بنى عليه فلسفته، وأسس "فلسفاته" الأخرى. وهو سقراط لبنان، كما كناه طلابه في الجامعة اللبنانية التي وضع لبنتها الأولى مع حفنة من الرواد. وتولى رئاسة قسم الفلسفة فيها لمدة سبع عشرة سنة، بالإضافة إلى عمادة كلية الآداب بالوكالة لمدة سنتين. وهو فيلسوف القومية اللبنانية، هو الذي رفع فلسفة عقيدية راسخة للقومية اللبنانية، وقال: "إذا كانت الفلسفة هي قادتني إلى القول بقومية لبنانية، فالقومية هي التي ساقتني، بدورها، إلى القول بفلسفة لبنانية".
وأشار إلى أن "القومية عنده تعني القومية الإنسانية، لا القومية العنصرية، وتعني بالتالي الوجود السياسي، جوهر القومية، يتحقق في وجود الدولة. ومن أجل المزيد من فهمها، يعطي هذا التشبيه: المجتمع، كالإنسان، يتركب من جسد وروح. الجسد هو الأرض، والروح يظهر في اللغة. كذلك "القومية" تعني الحدود الجغرافية والموارد الاقتصادية، و"الأمة" هي روحها وعقلها الثابت ونظرتها الفلسفية وتعبيرها الحضاري. وهكذا وقع: "أمتي عربية... قوميتي لبنانية. وقد وضع مؤلفه الضخم: "موجز الفلسفة اللبنانية" الذي كشف فيه وجود ذات لبنانية عريقة، متفلسفة بتواصل منذ فجر الأبجدية على قاعدة الجمع التعادلي بين الجوهر والوجود. ونجح في إدخال الفلسفة اللبنانية مادة تدريسية رسمية في الجامعة اللبنانية".
وفي تعداده لصفات الراحل ذكر بأنه "فيلسوف الميثاق الوطني الذي رأى فيه حركة دينامية متواصلة تلم شمل أبناء لبنان المشتتين نصفين وشعبين وطائفتين ومجتمعين، وتجمعهم تحت لواء حضارة إنسانية مميزة في دفتر الشعوب. لقد وحد كمال الحاج بالحروف ما يصعب توحيده على أرض الواقع المزري، إلا في عيون النفوس الكبيرة. فابتكر كلمة "النصلامية" الدامجة بين مسيحية الناصري وإسلام المصطفى. ونحن كتبنا في "المذكرة الوطنية": إن اللبنانيين أرادوا "الميثاق الوطني" شريعتهم السياسية، لكونه خلاصة تاريخ مشترك من تجربة العيش المسيحي - الإسلامي، وتثبيتا لثوابت الحرية، والمساواة في المشاركة، وحفظ التعددية، ولكونه الناظم للعمل السياسي والضابط له"(فقرة 5)".
ومن ألقابه أيضا أنه "بول كلوديل الشرق، هكذا سماه صديقه وقارئه الغائص في فكره، البطريرك الكردينال بولس بطرس المعوشي، الذي كان الفيلسوف كمال قد سماه: "عميد لبنان". وهو أيضا "الفيلسوف اللبناني الماروني، هكذا سماه سماحة الإمام موسى الصدر الذي، عندما زاره يوما في بيت أجداده في الشبانية، قال عنه: "إن وجودي في بيت الفيلسوف اللبناني الماروني، كمال الحاج، هو التعايش عينه". مما يعني كما كتبنا في "المذكرة الوطنية": إن العيش معا هو لب التجربة اللبنانية. وليس شيئا عرضيا أو شعارا مرحليا. هذه التجربة ميزت لبنان عن كل بلدان الشرق، لأنها تحل الوطنية السياسية محل الوطنية الدينية. والقول للبطريرك الكبير الياس الحويك في مؤتمر السلام في فرساي- باريس سنة 1919(فقرة 4)".
وقال وقد سموه "فيلسوف الأر- سماوي الذي أراد أن يجمع في اتحاد عميق بين الأرض والسماء، وكم رغب لو استطاع، في إنهاء حياته متنسكا في دير، منضما إلى جمعية المرسلين اللبنانيين. فجعل من حياته الشخصية ديرا، وعاش متصوفا، وضم إلى دارته كابيلا مع القلم وسبحة العذراء التي لم تفارق عينيه. فسمى صديقه البطريرك المعوشي حبه للسيدة العذراء وتكريمها "تمريمه، وكان أيضا معلم البطاركة ومستوثق الرؤساء، هكذا سماه البطريرك الكردينال أنطونيوس خريش في رقيم التأبين يوم وداعه. وهو فيلسوف لبنان. هو اللقب الذي أطلقه عليه صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس صفير، ويعني لبنان الذات والرسالة والتاريخ، وأحلام كمال الحاج اللامتناهية".
وهو كذلك "الفيلسوف مدى الأجيال، لقب طالع من قلب رئيس الجمهورية الراحل الياس سركيس، إبن الشبانية ورافع اسمها، نسيب الفيلسوف ورفيق العمر. قال ذات يوم بتواضع كلي: "أنا ابن الشبانية. ستأتي الشبانية على ذكري في عهدي لست سنوات، وربما لبعض العقود بعدها. ولكنها لن تنسى كمال فيلسوفا مدى الأجيال". أجل! كمال الحاج يزداد تألقا وإشعاعا يوما بعد يوم، وجيلا بعد جيل، بفكره وفلسفته ونتاجه. وهو خالد عند الله، وبيننا".
وقال: "أحب الفيلسوف كمال يوسف الحاج الحقيقة التي هي عطية ثمينة من الله تسلمناها مثلثة من المسيح الإله المتجسد: حقيقة الله وحقيقة الإنسان وحقيقة التاريخ. هذه الحقيقة المثلثة وحدها تبني مجتمعنا اللبناني، ومنها وحدها نستمد الحرية، التي تشكل أولى ثوابتنا الوطنية في العيش المشترك. ألم يقل المسيح الرب في الإنجيل: "تعرفون الحق، والحق يحرركم؟" (يو8: 32). أخلص فيلسوفنا للحقيقة وسماها قدس أقداس الإنسانية يوم قال: "لا يكتب الفيلسوف إلا ما يؤمن به. إنه يكتب للتاريخ الذي لا يدون في سجله إلا ما يصدر عن قدس أقداس الحقيقة الإنسانية. إن أول معالم هذه الحقيقة أن يكون الإنسان صادقا مع نفسه".
أضاف "ما أحوجنا في لبنان إلى أن يعود الجميع إلى الحقيقة. لا إلى حقيقتهم النسبية التي تفرق وتعمي القلوب وتأسر الرؤية، بل إلى الحقيقة المطلقة الموضوعية التي تنير الحقائق النسبية وتصححها، وتجمع! وما أحوجنا في لبنان إلى أن نقول الحقيقة، ونخرج من دائرة الكذب والتكاذب. لقد أصدرنا "المذكرة الوطنية" لكي نذكر بالحقيقة اللبنانية التي تقودنا وحدها إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية في الموعد الدستوري الذي بدأ، على أن يكون رئيسا قديرا وفاعلا في الداخل اللبناني وفي الأسرتين العربية والدولية. هذه الحقيقة التي نذكر بها، وبكل مضامينها الوطنية والتاريخية، هي وحدها تسير باللبنانيين جميعا، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية الجديد، نحو الاحتفال بعد ست سنوات باليوبيل المئوي الأول لإعلان لبنان الكبير المستقل في أول ايلول 1920".
وختم "في ذكرى كمال الحاج، نجدد إخلاصنا للحقيقة بالقول والمسلك والعمل، وقد أعطى هو البرهان بإخلاصه يوم كتب متنبئا: "قد يكذب الإنسان في كل شيء: في العقل، في المنطق، في العدل، في العلم، في القانون، إلا في واحد: عندما يشهد بدمه أنه مالك الحقيقة. عندئذ لا يكون وده كاذبا...كمال يوسف الحاج أحب الحقيقة حبا شديدا وأخلص لها حياته كلها، ومهر حبه وإخلاصه هذا بدم الاستشهاد في 2 نيسان 1976. إننا نحييه في عليائه بمقطع من نشيد نجله: "أرزة للوطن: نهتف كلنا يا سخي الطيوب، صانك ربنا أرزة في القلوب. صانك ربنا في ربيع الدهور، أرزة للوطن. عشتم، وعاش لبنان".