
وأشار إلى أن "تأليف أي حكومة في لبنان يفترض التقيد بالميثاق والدستور لجهة المبادىء والنصوص والآليات التي ترعى هذا التأليف بالشكل والمضمون"، وقال: "في الشكل، يجب مراعاة مسار التأليف، كما هو موصوف في الدستور ومعمول به عرفا، أي تسمية رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب. واستنادا الى استشارات نيابية ملزمة، يطلعه رسميا على نتائجها، وقيام رئيس الحكومة المكلف إجراء استشارات نيابية لتأليف الحكومة، وصدور مرسوم تأليف الحكومة عن رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء".
أضاف: "أما في المضمون فيجب أن تتمثل الطوائف بصورة عادلة في التشكيلة الوزارية، لا سيما أن المادتين 17 و65 من الدستور ناطت كل منهما السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء، وأن المادة 66 من الدستور أعطت حيثية دستورية مستقلة للوزير، الذي لم يعد من أعوان رئيس الجمهورية الذي يتولى السلطة الإجرائية، كما كان الأمر قبل التعديلات الدستورية لعام 1990 نتيجة اتفاق الطائف. وإن خاتمة مبادىء مقدمة الدستور المقتبسة حرفيا من المبادىء العامة الواردة في وثيقة الوفاق الوطني تنص صراحة ألا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك".
وتابع: "كل هذا يعني أن الممارسات لا تمت بصلة الى المبادىء والنصوص والآليات أعلاه، ولا ترتكز أصلا الى أعراف متواترة وراسخة في معرض تأليف الحكومات، إنما يتوجب أن تكون مرفوضة تماما كي لا تؤسس عليها أعراف خاطئة من قبيل اعتبارها سوابق يراكم عليها صحيحا، في حين أنها مجرد شروط مصطنعة تهدف الى التعقيد أو التعطيل، بدليل ما يحصل في معرض تأليف الحكومة الراهنة التي أخضعت منذ بدء الاستشارات النيابية، الى شروط ارتقت بنظر واضعيها الى مرتبة المبادىء، كمقولة المداورة، وهو بالتأكيد ليس بمبدأ أو مسلك أو عرف، مما يطرح سؤالا مشروعا: لماذا تقييد التأليف بهذا الشرط المختلق، بدليل أن التأليف متعذر منذ عشرة أشهر من تاريخ التكليف؟ التوصيف الوحيد: شرط سياسي بامتياز متعدد الأهداف التي تصب كلها في خانة التعقيد والتعطيل والاستهداف، وهو شرط زاده تعقيدا تمسك الرئيس المكلف به، بعد مناداة رئيس فريقه السياسي بهذا الشرط فور الانتهاء من استشارة "كتلة المستقبل" في إطار الاستشارات النيابية التي أجراها الرئيس المكلف في مجلس النواب، وامتناع هذا الأخير عن التواصل المباشر مع الكتل النيابية المعنية بالحكومة الجامعة، كأن الأمر قد قضي، في حين:
1- ان الحكومة الجامعة تفترض أن يوافق جميع الأفرقاء السياسيين المدعوين الى المشاركة فيها على أي من شروط تأليفها غير المنصوص عنها في الدستور أو المتأتية عن عرف، حيث تنتفي إذاك، وعندها فقط، الحاجة الى العنصر الرضائي لمكونات الحكومة، ويصبح الأمر مفروضا فرضا بقوة الميثاق والدستور والعرف.
2- إن الاستشارات النيابية المنصوص عنها في المادة 64 من الدستور لا تعني فقط تلك الاستشارات التي يقوم بها رئيس الحكومة المكلف فور تكليفه، بل هي عملية متواصلة بهدف إنضاج تشكيلة حكومية، ذلك أن إنشاء السلطة الدستورية هو هدف كل ممارسة أو تدبير أو خطوة منصوص عنها في الدستور في معرض تكوين هذه السلطة".
وأردف: "من هنا، يتضح أن من يضع العراقيل والعقبات هو من يخرج عن الميثاق والدستور والعرف، ويرسي ممارسات مصطنعة وغير مألوفة في تأليف الحكومات، مما ينزع عنها، في حال انبثقت عن إرادة تعارض المبادىء والنصوص والأعراف أعلاه، كل شرعية ميثاقية ودستورية، فتضحي حكومة أمر واقع بكل المفاهيم والمضامين، مما يحتم التعامل معها على هذا الأساس، لا سيما إذا رفضت كتل نيابية أساسية تمثل مكونات هذا الوطن بمعايير التمثيل النيابي والحيثية الشعبية، مثل هذه الممارسات المستحدثة، فتصبح أي حكومة مؤلفة في ظلها حكومة مناقضة لميثاق العيش المشترك وفاقدة للشرعية".
وقال: "إن الحكومة السياسية الجامعة نقيضها الاستهداف السياسي لأي من مكوناتها، ذلك أن مثل هذا العنوان، لا سيما في مفاصل محورية من حياتنا العامة، لا يحتمل مثل هذا الاستهداف الذي يوازي الإقصاء، ما دمنا في حكومة انتقالية يفترض أن تعتبر مستقيلة عند بدء ولاية رئيس الجمهورية الجديد في 26 أيار 2014. في هذا السياق، يطرح سؤال مشروع: ما هو هدف المداورة التي نودي بها تحت مسمى "مبدأ"، مضافا إليه توصيف "الشاملة" لإعطاء الإنطباع الخاطىء والمضلل بأنها مداورة رضائية. إذا كانت هذه المداورة لأشهر قليلة، ألا تعتبر المداورة في هذه الحال مناقضة لعمل الوزراء المجدي والمنتج في إدارة مصالح الدولة على ما ورد في المادة 66 من الدستور، بفعل ضرورة استمرار النهج في مقاربة البرامج والخطط والتعهدات التي انبثقت عنه؟".
أضاف: "أما إذا كان الهدف المضمر من تأليف هذه الحكومة هو شطر الاستحقاق الرئاسي، أي التحضير لخلو سدة الرئاسة والفراغ بعد انتهاء الولاية الرئاسية الراهنة، فالأمر أدهى وأخطر، وعواقبه وخيمة للغاية، ذلك أن هذا الاستحقاق، الذي هو وطني شامل بامتياز، إنما يحقق أيضا ميثاقية الدولة من طريق تولي شخصية قوية من المكون المسيحي رئاسة الدولة. فإذا انتفى ذلك، كان من الواجب الميثاقي والدستوري والوطني اللزومي أن يكون مجلس الوزراء الذي ناط به الدستور صلاحيات رئاسة الجمهورية وكالة عند خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت، ممثلا صحيحا لكل مكونات الوطن، ذلك أن رئيس الجمهورية هو رمز وحدة الوطن أو هكذا يجب أن يكون".
وختم: "حذار، حذار العبث بالثوابت والمسلمات الوطنية في مثل هذه المفاصل الشديدة الخطورة والحساسية في حياة أمتنا اللبنانية الواحدة".
REF:Wataniya