
يحكى انّ فور انتخاب الهيئة التدبيرية لإحدى الرهبانيات المارونية، صعد هؤلاء لالتماس البركة من سيّد بكركي يومها، البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، وسأل هؤلاء سيّد الصرح أن يحمّلهم رسالة طيلة فترة وجودهم في سلطة الخدمة، فقال لهم وقتها: احفظوا نذوركم، أي الطاعة، الفقر والعفّة.
ما أبسط أن يعيش الراهب مرتاحاً في حمل نذوره، مطمئناً متى جاءت ساعته، وسائراً على خطى المسيح
في مجتمعنا اليوم، وفي لبنان خصوصاً، يكثر الحديث عن بعض الرهبان والكهنة البعيدين كلّ البعد عن رسالة أنطونيوس، وكم منّا أصلاً بعيد عن أنطونيوس، لكن جملة واحدة سجّلت للقديس شربل قالها يومها لأحد الرهبان :"يا لبوس متل منّك ماشي، يا مشي متل منّك لابس"، وجوهر هذه الرسالة، أنّ من اراد الحياة الرهبانيّة، فهي حتماً حياة صلاة وصوم وعبادة وخدمة، لكن اين بعض رهباننا من هذا العيش؟
طبعاً، إنّهم أنفسهم يقومون القيامة عندما ينتقدون، ولكن من أصبح في دنيا الحق، جبران أم رجال الدين الذين انتقدهم وقتها؟ وهل تجرئون على توجيه اللوم لسيّدكم قداسة البابا فرنسيس الذي لم ينفكّ يعمل على إصلاح إعوجاج الكهنة قائلاً:" نحن الكهنة أشخاص محدودون وجميعنا خطأة! ولكن إن ذهبنا إلى يسوع المسيح وبحثنا عن الرب في الصلاة – صلاة الشفاعة والعبادة – نصبح كهنة صالحين بالرغم من خطيئتنا. أما إن ابتعدنا عن يسوع، نبحث عن تعويض لهذا الفراغ في أشياء وتصرفات دنيويّة، ونرى عندها الكاهن - رجل الأعمال، والكاهن – المستثمر... أما الكاهن فهو عكس هذا كله! الكاهن هو الذي يعبد يسوع المسيح ويخاطبه، الكاهن هو الذي يبحث عن يسوع المسيح ويسمح ليسوع المسيح أن يلتقيه! هذا هو جوهر حياتنا الكهنوتيّة، وإن لم يكن هكذا نفقد كلّ شيء، فماذا نعطي عندها للناس؟ الكاهن الحقيقي الممسوح من الله لشعبه يعيش علاقة حميمة مع يسوع، وعندما تغيب هذه العلاقة يصبح الكاهن إلهًا لنفسه خبيثًا عبدًا لشهواته ونزواته".
ما أقسى هذا الكلام وما أحكمه، ما أتفه بعض رجال الدين، منهم من نادى بمفتاح الجنة في القرون الوسطى، ومنهم من حرق الناس، ومنهم من خاض حروب قاتلة في سبيل الله، ومنهم اليوم من يتربّع على عروش من ذهب، ويقود افخم السيارات، ويتلذّذ بأفخر الأطعمة، وليتهم يحنّون على تلميذ في جامعة، أم مريض في مستشفى، أم فقير على الطريق. ليتهم يبشّرون بالمسيح وليس بالحجر الذي يفتخرون ببنائه، وليتهم يصلّون على قدر ما يعظون الناس ليل نهار، وكنائسنا شبه فارغة من شباب يئس بسبب قساوة قلوبهم.
نعم، يستقبل المسيحيون عيد راعيهم الكبير في شرق تتناقص فيه أعدادهم، ويستشهد كثر منهم في سبيل إيمانهم، ومن يعتقد أنّ المسيح ورسالته في هذا الشرق انتهت هو مخطىء، فهو يرى كلّ هذا، ولن يقف حجر على آخر عندما ينادي بصوته من جديد لأنّه أمين على كنيسته أكثر منّا.