
فيصبح ما يسمى بالمسؤول تاجر ومرابي، مأربه الوحيد الربح المادي غير آبه بشرهه الظاهر الى العلن ولا يهمه حتى حفظ ماء الوجه. جشاعة مخيفة لأنها تسعى الى تسخير الناس للعمل مجاناً بإسم القيم ليعود المردود النهائي الى حساب المسؤول الشخصي. وقد غاب عن مفكرة المسؤول معنى كلمة مسؤول، خصوصاً وأن هذا المعنى ليس موجوداً في قاموس الناس، فيتكون صك براءة سلف عن أي عمل يقوم به المسؤول، إنطلاقاً من هذا المبدأ.
أما كلمة مسؤول تعني: الشخص الذي يُسأل عن جميع الأعمال التي يقوم بها بمعرض ممارسته لمهامه أي للمسؤولية الموكلة إليه. يُسأل عن كل شيء لأن ما هو وباعتقاده متربع عليه، هو ليس له إنما مؤتمن عليه من الناس لإدارة شؤونهم بما هم بحاجة إليه وليس بما هو بحاجة إليه، وإلا وقع اللغط بين الفكر المسؤول والفكر المتاجر. فسدة المسؤولية ليست ملك خاص أو شركة خاصة يديرها صاحبها على هواه وعلى كامل مسؤوليته. إنما المسؤولية هي عمل عام يطال كل فرد من المجموعة ويجب أن يعكس هذا العمل العام حاجة الناس ورغبتهم، والأهم أن خطأ المسؤول يقع على رأس المجموعة وحاضرها ومستقبلها. أي بمعنى آخر إن المسؤول ليس مسؤول بشخصه ولا يصيبه أي ضرر بل يتاجر بمصير المسؤول عنهم.
أمّا السلطة فتوضع بمركز المسؤولية وليس بشخص المسؤول. مركز المسؤولية يتطلب سلطة إدارية لتسيير العمل بالاتجاه الصحيح. أما وأن يعتقد المسؤول أن السلطة هي لشخصه وليست للمسؤولية، فتتحول عندها ما يسمّى بالسلطة الى تسلط. في هذا التحول يصبح المسؤول سلطوي خادم لسلطته وما يتطلب تسلطها الدائم ولا يعود هذا المسؤول خادم للقيم والشعب. فيفرغ عندها مضمون المسؤولية لتتحول الى تسلط من دون مسؤولية. فتمشي عربة السلطوي الحديث النعمة ومن يجرها باتجاه معاكس للإرادة والهدف العام الجامع، فيصبح المسؤول المتربع على العربة المجرورة مع من يجرها بوادٍ والشعب بوادِ آخر. ويفرغ مضمون المسؤولية ويجهّل عن ضمير المسؤول.
تتلاشى المسائلة إهمالاً أو يأساً أو خوفاً وهذا ما يريده السلطوي. فهو لا يريد أضواء الحقيقة العامة إنما أضواء حقيقته التي يمليها على الذين يجرّون العربة. والذين يجرّون عربته جعلهم مسؤولين لكن من دون مسؤولية أو هدف استراتيجي عملي وواضح. فالهدف الذي يسعى إليه المسؤول المتسلط هو السيطرة على الآخرين، فيستعمل عندهم شهوة الظهور والبروز إجتماعياً. فيقوم باسم الإدارة والتنظيم بخلق هرمية سلطوية مليئة باللجان ويعين على رأس كل لجنة رئيس (في مضمون المُعين يعني ريّس) ونائب رئيس صاحب عيون جاحظة على كرسي الرئيس وأعضاء يريدون البروز. ومن كل لجنة تنبثق لجان مصغرة للتفكير والتحضير لمشاريع في أغلب الأحيان لا ترى النور. وفي فترة قياسية يصبح المتسلط محاطاً بلجان لا تحصى، هدفها المعلن العمل وغير المعلن حماية هذا السلطوي وجرّ عربته.
النتيجة كثرة اللجان وتداخلها ببعضها يجعل هدفها المعلن مستحيل التطبيق. فيقع فشل المسؤول على رأس اللجان التي لم تتفق والتي لم تعمل جيداً. أما المتسلط فهو بريء من فشلهم، وأما الذين وضعوا تحت الأضواء فقد بهروا ولم يعودوا باستطاعتهم أن يروا بوضوح. حالهم، حال القريبين من الأضواء أيضاً، فليست لديهم المقدرة لرؤية المشروع الشخصي للمسؤول المتسلط الذي ينمو ويكبر بصمت بعيداً عن الأضواء لعدم استجلاب الأضواء والأسئلة أو المسائلة لأن من سيحاسب هم هؤلاء من وضعوا تحت الأضواء وقبلوا لأنهم صدقوا.
بقلم الفرد مراد بارود