
ذلك ان مهزلة الاختباء وراء العقد الداخلية وحدها بدت الى تبدد خصوصا انها راحت تضع صدقية المعنيين جميعا بالتأليف والوساطات على محك الذوبان والتآكل مما لا يخفى على الرئيس المكلف تمام سلام ورئيس الجمهورية ميشال سليمان في الدرجة الاولى، ومن ثم الوسطاء وفي مقدمهم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي نأى بنفسه في المرحلة الاخيرة تجنبا لمزيد من إحراق الاصابع، والنائب وليد جنبلاط الذي لا يزال يركب المركب الخشن عبر وزيره المكوكي وائل ابو فاعور. لكن الوقائع وما وراءها أبرزت في الساعات الاخيرة التطور الذي لم يعد يترك مجالا للشك في ان المطلوب مزيد من تقطيع الوقت الضائع تحت عباءة العقدة العونية ريثما تنقشع أجواء جنيف 2 واستتباعاته.
هذا التطور ترجم داخليا في تخلي "حزب الله" علنا عن صورة الوسيط في اقناع حليفه العماد ميشال عون بتدوير زوايا موقفه الرافض للمداورة وتحويل وجهة وساطته الى القيمين على عملية تشكيل الحكومة لحملهم على الاستجابة للمطالب العونية او ما يوازيها ويفوقها.
وتبعا لذلك، اكتسب لقاء عون ووفد "لقاء الاحزاب الوطنية" في الرابية دلالة في الدعم الذي يحظى به من "حزب الله" الذي أعلن ممثله محمود قماطي ان العقد التي "توضع امام التيار الوطني الحر بالنسبة الى البقاء في وزارتي الطاقة والاتصالات ليس لها مبرر". كما ان الوزير محمد فنيش شدد على "اننا لا يمكن إلا ان نكون معا نحن والتيار الوطني الحر ولا حكومة جامعة من دون هذا التيار".
اقتراح جديد؟
وسط الاتجاه الطارئ الجديد الى تجاوز مسألة التزام المهل، لم يخرج اجتماع الرئيس سليمان والرئيس سلام مساء أمس بأي نتائج ملموسة. وعلمت "النهار" ان يوم الاتصالات الطويل انتهى الى تأجيل التوقعات لحسم ملف التأليف الى نهاية الاسبوع الجاري، بعدما تبيّن ان عقدة تمثيل العماد عون لم تذلل بعد. وفيما تداول رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف في ختام هذا اليوم حصيلة الاتصالات، عرض المواكبون لها المعطيات الآتية:
لا يزال مطلب "التيار الوطني الحر" هو استثناؤه من المداورة وتاليا ابقاء حقيبتي الطاقة والاتصالات ضمن حصته او اعطاؤه حقيبة سيادية مع حقيبة خدماتية. وقد دخل "حزب الله" مؤيداً علنا لموقف حليفه مما أفسح في المجال لابتكار أفكار جديدة منها اعطاء حقيبة الخارجية للتيار العوني واسنادها الى الوزير جبران باسيل تحديدا مع السعي الى اعطاء التيار حقيبة خدماتية وذلك لتطبيق مبدأ المداورة. لكن هذا العرض طرح اشكالية تتعلق بالحصة المارونية في الحقائب السيادية، فاذا ما أخذ به، فإن الممثل الماروني للرئيس سليمان سوف يقصى عن حقيبة سيادية هي الدفاع اضافة الى ان الحصة الارثوذكسية التي كانت ستلبى في الخارجية ستصطدم بامكان اعادة توزير سمير مقبل نائبا لرئيس الحكومة والذي هو ايضا من حصة الرئيس سليمان. كما ان النائب سامي الجميل الذي دافع بقوة عن المشاركة في الحكومة الجامعة، أكد في حديث الى محطة "المستقبل" ان حقيبة الخارجية ستكون من حصة 14 آذار.
وجاء هذا العرض بعدما سقط عرض آخر يتمثل في اعطاء حقيبة المال السيادية لشيعي من التيار هو النائب عباس هاشم بعدما رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري التنازل عن هذه الحقيبة المقررة لاحد ممثليه. وبناء على هذه التعقيدات أبلغ "حزب الله" المعنيين انه يحتاج الى 48 ساعة اضافية للبحث في مقاربات جديدة للحلول وقت كان الوزير وائل ابو فاعور، بتكليف من رئيس "جبهة النضال الوطني"، وبالتنسيق مع الرئيس بري ينشط في اتصالات لم تهدأ امس قادته الى التنقل بين مقر الرئاسة الثانية ودارة المصيطبة وصولا الى قصر بعبدا الذي زاره بعيدا من الاضواء. وعلمت "النهار" ايضا ان "نصيحة" أسداها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى المعنيين بالتريث من أجل تمكين ممثلي العماد عون من الانضمام الى الحكومة العتيدة.
جعجع والحيادية
وفي حديث إلى "النهار" رأى رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع أن "المواقف أصبحت واضحة، وخصوصا في ضوء الإتصالات. وما عاد ممكناً إنقاذ الوضع إلا بتشكيل حكومة حيادية، وكل لحظة تأخير تضيع على لبنان". وقال إن رئيس الجمهورية والرئيس المكلف "باتا معذورين أمام جميع اللبنانيين والعالم إذا أقدما وأعلنا الحكومة الحيادية، فقد حاولا بكل صدق وإيجابية التوصل إلى حكومة سياسية جامعة، يمكنهما اليوم سؤال "حزب الله" عما إذا توصل إلى اقناع حلفائه بما تم الإتفاق عليه معه، خصوصا بعد كل ما فعله الرئيس سعد الحريري و"تيار المستقبل "كي تبصر الحكومة النور. إذا كان جواب الحزب لا لم نقدر، فيجب إعلان الحكومة الحيادية. لا يمكن وقف كل شيء في البلد على هذا النحو".
وسئل هل يعتبر موقف رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" مصدر العرقلة، فأجاب: "في كل الأحوال فريق 8 آذار هو الذي يعطل الحكومة الجامعة سواء بشكل مقصود، أو لرغبة حزب الله في الوقوف على خاطر الجنرال عون".
ودعا جعجع الرئيسين سليمان وسلام إلى عدم التنازل أمام منطق القوة. وشدد على أن الحكومة الحيادية "هي التي تسهل إجراء الإنتخابات الرئاسية لأنها تتمتع بصلاحيات مجلس الوزراء وفوقها صلاحيات رئيس الجمهورية والأفرقاء السياسيون جميعا خارجها. وطبيعي في هذه الحال أن تسعى القوى السياسية إلى المشاركة في السلطة، والبداية تكون بانتخاب الرئيس. أما اذا كانت حكومة سياسية جامعة فيمكنها الإستمرار طويلاً في الحكم ولن يستعجل المشاركون فيها إنتخاب رئيس".