
بطبيعة الحال لم تكن الوثيقة البطريركية الجديدة لتشكل سبباً اضافياً من الاسباب الخفية والعلنية لعرقلة الولادة الحكومية وإن يكن بعض مضامينها العائدة الى حياد لبنان وحصرية سلطة الدولة وآحادية السلاح الشرعي وتبني "اعلان بعبدا" بدا كافياً لتفسير تجاهل "كتلة الوفاء للمقاومة" المذكرة في بيانها امس في مقابل احتفالها بالذكرى الثامنة لـ"التفاهم التاريخي" بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" المعقود في 6 شباط 2006. لكن هذه الخلفية لم تغب بدورها عن وقائع محاصرة عملية تشكيل الحكومة في اللحظة الاخيرة بل الانقلاب على التفاهم الاساسي الذي اطلق مسارها قبل اسابيع وكان من اهم اسسه الاتفاق على المداورة.
وكشفت مصادر مشاركة في الاتصالات المحمومة التي استمرت حتى فجر الخميس سعياً الى تذليل عقبات التأليف لـ"النهار" ان رئيس الجمهورية والرئيس المكلف اصطدما في وقت متقدم من الليل بصعوبة كبيرة لامكان الاقدام قبل ظهر امس على اصدار مراسيم قبول استقالة حكومة تصريف الاعمال الحالية وتشكيل الحكومة السلامية الجديدة، بعدما نجح الفريق الوازن في 8 آذار في ارساء معادلة اسقاط الحكومة العتيدة فورا بسحب كل وزراء 8 آذار منها وحشر النائب جنبلاط لحمله على سحب وزرائه ايضا واطلاق مسار مأزوم جديد يفتح الوضع على استشارات جديدة بعد حمل الرئيس سلام على الاستقالة.
وتقول المصادر ان الهدف الحقيقي الذي برز خلف هذا التقييد لمهمة سلام بات يتمثل في رغبة واضحة لدى بعض اطراف 8 آذار في اعادة النظر في التفاهم الاساسي الذي كان وراء اطلاق عملية التشكيل والتخلص من "عبء" تعهد المداورة الذي رفضه العماد ميشال عون رفضا حاسما واحرج بذلك حلفاءه. وتسبب تشدد 8 آذار في التضامن مع عون بعوامل اضافية للتعقيد من ابرزها التحفظ عن حصول قوى 14 آذار على حقيبتي الداخلية والدفاع كما رفضها توزير "تيار المستقبل" اللواء اشرف ريفي لحقيبة الداخلية. ولا تخفي المصادر ان الرئيس سعد الحريري تشدد بدوره في موضوع الداخلية بعدما تبين ان قوى 8 آذار تمضي بعيدا في استغلال العقدة العونية.
موعد جديد؟
غير ان المصادر المواكبة ليوم الاتصالات واللقاءات امس قالت لـ"النهار" ان ارادة تأليف الحكومة التي كان مقرراً ان تبصر النور امس لا تزال قوية وتحدثت بثقة عن غد السبت كموعد جديد لهذه الولادة على رغم ان المعلومات الحذرة قالت ان هامش الولادة يراوح بين السبت ومطلع الاسبوع المقبل.
وأفادت أوساط رئيس الجمهورية ميشال سليمان، الذي بقي على جهوزية طوال ما قبل الظهر في مكتبه لمواكبة جهود الرئيس المكلف، انه انتقل بعد الظهر الى منزله وسط معطيات تفيد ان الامور عادت وتعقّدت. وعليه فهو سيتوجه اليوم الى تونس في زيارة رسمية للتهنئة بانجاز الدستور التونسي الجديد مع احتمال ان يلتقي هناك الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ليبحث معه في هبة الثلاثة مليارات دولار من السعودية للجيش اللبناني للتسلح من فرنسا على ان يعود مساء الى بيروت لمواصلة الجهود في التأليف.
أما الرئيس المكلف الذي كانت لديه تشكيلة للصعود بها امس الى قصر بعبدا، فقد واجه معضلة التوفيق في توزيع الحقائب السيادية انطلاقا من ان قوى 8 آذار قد حسم امر اعطائها حقيبتين هما المال والخارجية، في حين ان قوى 14 آذار لم تعامل بالمثل في حقيبتيّ الدفاع والداخلية. وفي هذه الاثناء تلقى سلام اتصالات من رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس الحريري والنائب جنبلاط الذي اتصل ايضا بالرئيس سليمان. وكان من شأن هذه الاتصالات ان أفسح سلام في المجال لادخال تعديلات سيحملها الى بعبدا.
وقالت أوساط مطلعة على مواقف الرئيس الحريري واتصالاته انه كان مواكبا لتفاصيل التأليف وهو كان وراء اعادة الاعتبار الى حقيقة التوزان في التمثيل بين 14 و8 آذار. لذا كان لا بد من الرد على محاولات فريق 8 آذار الاعتراض على تمثيل 14 آذار في حقيبتي الدفاع والداخلية، مما استدعى التمسك باسناد الدفاع الى النائب بطرس حرب والداخلية الى اللواء اشرف ريفي. ووسط الاتصالات التي أجريت مع الحريري ومنها اتصال من جنبلاط تقرر طرح خيارات منها العودة الى اعطاء حقيبة الدفاع للوزير السابق خليل الهراوي المحسوب على رئيس الجمهورية واعطاء الداخلية للنائب في "المستقبل" نهاد المشنوق او نقيب محامي طرابلس السابق رشيد درباس مع الرد سلفا على ما يثار عن توزير اثنين من آل المشنوق (الثاني محمد المشنوق المحسوب على الرئيس سلام) من ان حكومة تصريف الاعمال الحالية تضم اثنين من آل كرامي هما احمد وفيصل كرامي. اما في ما يتعلق بتوزير النائب حرب، فانه ستسند اليه حقيبة تتناسب مع موقعه السياسي وتردد في هذا المجال اعطاؤه حقيبة الاتصالات.
المسعى الجنبلاطي
وفي ما يتعلق بمساعي جنبلاط التي تولاها ميدانيا الوزير ابو فاعور، فقد شملت علانية البطريرك الراعي، فيما شملت بعيدا من الاضواء الرؤساء سليمان وبري وسلام، وهي سارت على خطيّن هما خيارا المرحلة الراهنة: الاول، اعادة تفعيل الاتفاق السياسي لانتاج الحكومة. والثاني، اذا لم ينجح الخط الاول، العمل على تخفيف اضرار اعلان حكومة الامر الواقع السياسي. وفي كلا الحالين تنطلق جهود جنبلاط من ان الباب لم يقفل امام تأليف حكومة جديدة. اما بالنسبة الى الاسماء التي ستمثل جنبلاط، فبالاضافة الى اسم ابو فاعور، طرح اسم النائب اكرم شهيب للتوزير ايضا.
وعلمت "النهار" انه ضمن اعادة النظر في توزيع الحقائب، تقرر اسناد حقيبة الاشغال الى وزير يمثل الرئيس بري الذي سيحظى ممثله الوزير علي حسن خليل بحقيبة المال.
والتقت مصادر عدة على ان موعد تأليف الحكومة حتى الاثنين المقبل هو توقيت مناسب على رغم ان المعطيات القوية تفيد أن الولادة ستتم غداً.
وردد الرئيس بري امس امام زواره انه يلتزم الصمت "ولا شيء جديدا عندي" وكرر تمسكه بالميثاقية "التي احرص على تطبيقها وانا مؤمن ومتمسك بها ويبدو ان الميثاقية اتخذت بعدا وطنيا وهذا ما ركزت عليه وثيقة بكركي". وسئل عن موقفه في حال استقالة وزراء التيار الوطني الحر والمردة و"الطاشناق" و"حزب الله"، فأجاب: "انا لا استعجل اتخاذ القرار قبل ان انتظر واتفحص التشكيلة الحكومية". واكد ان "حزب الله عمل ولا يزال يعمل من اجل تأليف الحكومة اكثر مني". Ref:Wataniya