
لا تزال "المداورة في الحقائب" عقدة الخلاف بين التيار الوطني الحر والرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام، والعائق الأساس أمام تشكيل الحكومة المنتظرة، في وقت عاد فيه رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تمام سلام إلى التهديد بحكومة الأمر الواقع. ويصرّ سلام على اعتماد مبدأ المداورة، متمسكاً باتفاق سابق بين مختلف الفرقاء على مداورة الحقائب، فيما يتمسّك التيار على بقائه في الوزارات التي يشغلها الآن؛ وعلى رأسها وزارة الطاقة.
وشنّ وزير الطاقة جبران باسيل، أمس، هجوماً عنيفاً على سلام، معتبراً أن "الرئيس المكلف ليس حاكماً بأمره في التأليف، ولا يفرض أو يهدد بأمر واقع". فيما قالت مصادر مقرّبة من سلام لـ"الأخبار" إن "الظاهر اليوم من عرقلة باسيل للحكومة بسبب تمسكه بالطاقة، ونقض التيار لاتفاق المداورة يدلّ على أن باسيل هو الحاكم بأمره، ويريدنا أن نقبل بهذا المنطق".
وسألت المصادر: "هل إذا أخذ باسيل الطاقة يكون البلد بخير وتتشكل الحكومة، وإذا لم يأخذها لا تتشكل الحكومة ويتعطّل البلد؟"، مضيفة: "سنة 1992 قاطع تمام سلام الانتخابات تضامناً مع المقاطعة المسيحية، لكن اليوم لا يمكن أن يحصر التيار الوطني الحر ملفّاً وطنياً كملف النفط في مصلحة طائفة بعينها، هل يتحدث الوزراء باسم طوائفهم؟ أم أن الباقين أغبياء ولا يعرفون إدارة ملفّ النفط، وجبران باسيل وحده من يستطيع إدارة هذا الملفّ؟ وما هو سبب التمسك بالوزارة إلى هذه الدرجة؟ للصراحة، فإنّ هذا التمسك يثير مجموعة من الشكوك". وأشارت المصادر إلى أن "الرئيس المكلف ينتظر من حزب الله، الذي يحاول جاهداً إقناع باسيل بالموافقة على المداورة، جواباً في اليومين المقبلين، وليتحمل باسيل مسؤولية ما سيحدث في الأيام المقبلة من خطوات (في إشارة إلى احتمال إعلان سلام حكومة أمر واقع سياسية أو حكومة حيادية)".
من جهتها، قالت مصادر نيابية بارزة في قوى 8 آذار إن "حزب الله وحركة أمل لا يمكن أن يشاركا في حكومة لا يكون فيها التيار الوطني الحرّ". وقالت المصادر إن "سلام يقول للتيار اخرجوا من بيتكم وسأسكنكم في شقّة، من دون أن يقول إن كانت هذه الشّقة صالحة للسكن، من غير المعقول أن يقول سلام اتركوا الوزارات وأعطوني الأسماء وما رح تكونوا إلا مبسوطين! حتى اللحظة، لم يقدم سلام للتيار ما يعوّض الحقائب التي كانت في حوزته أو يدخل في توزيع الحقائب"، مشدّدة على أن عدم تمثّل الكتل الأساسية في الطوائف بحصص عادلة هو خرق واضح لاتفاق الطائف". وتضيف المصادر: "فلننتظر نتائج زيارة السفير الأميركي ديفيد هيل للسعودية. فقد يكون الأخير في سياق زيارته في وارد إقناع السعوديين بالضغط لتشكيل الحكومة وبقاء الطاقة من حصة التيار".
وتتقاطع إشارة مصادر نيابية بارزة في كتلة المستقبل مع ما تقوله مصادر 8 آذار، عن أن "التيار الوطني الحر لم يحصل على ما يعوّضه عن ترك الوزارات التي حصل عليها"، وتقول إن "ما عرض عليه كالتربية والأشغال العامة لا يعوّض الطاقة والدفاع". وتشير المصادر إلى أن "الأرجح أن هيل يزور السعودية كموفد من إدارته، وليس كسفير في لبنان، وربما ذهب ليناقش موضوع رئاسة الجمهورية"، وتابعت رداً على سؤال عن إمكانية إعلان سلام حكومة أمر واقع سياسية أو حيادية: "لو كان باستطاعة سليمان وسلام تشكيل هكذا حكومة، لتشكلت منذ زمن". في حين أشارت مصادر سياسية متابعة إلى أن تيار المستقبل كما حزب الله "بات هو الآخر يريد تشكيل الحكومة بشكل سريع بعد التزام الرئيس الحريري، ودخول لبنان في نفق أمني مجهول، حتى إن المستقبل لا يصرّ كثيراً على فكرة المداورة، ويقول إنها فكرة سلام ورئيس الجمهورية".
من جهته، أكد وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور أن النائب وليد جنبلاط "ليس يائساً، وهو بالتفاهم مع الرئيس نبيه بري، وكل الجهات، مستمران في مسعاهما لتأليف الحكومة وتجاوزنا الكثير من القضايا التي يجب عدم العودة إليها". ولفت في حديث إلى قناة "الجديد" ضمن برنامج "الأسبوع في ساعة" إلى "أن استعصاء الوصول إلى حل يفتح الباب للوصول إلى احتمالات غير الحكومة الجامعة، ويجب أن ننتظر نتيجة المداولات، وحزب الله يعمل على اتصالات والوقت لا يزال طويلاً"، لكنه حذّر من إمكان حصول ولادة قيصرية للحكومة.
وليلاً، نشر تلفزيون "المستقبل" كلاماً عن لسان سليمان، مقتطفاً من حديث لصحيفة "المستقبل" ينشر (كاملاً) اليوم، ويؤكّد فيه سليمان أنه "سيتم الاتجاه إلى حكومة حيادية إذا فشلت صيغة الثلاث ثمانات". وكان هيل قد غادر بيروت أمس إلى الرياض، للبحث مع مسؤولين سعوديين "الدعم الدولي المعزز للبنان"، بحسب بيان صادر عن السفارة الأميركية في بيروت. وأشارت مصادر مقربة من سلام إلى أن "هيل أكد للرئيس المكلّف أن مجموعة العمل الدولية من أجل لبنان ستساعد لبنان بعد تشكيل الحكومة وتدعمه لمواجهة المشكلات الاقتصادية وأعباء النزوح السوري".
من جهته، رأى باسيل في مؤتمر صحافي أمس أن "مبدأ المداورة في الحقائب أو عدم تكريس حقيبة وزارية أو إدارة عامة لفريق هو مبدأ سليم إذا ما تم اعتماده بالتشاور"، مشيراً إلى أن "المداورة منطقية ويمكن اعتمادها في الوزارات مع بدء كل عهد نيابي أو رئاسي جديد بحيث يعطى كل فريق فرصة إنجاز برنامجه، أما اعتمادها بالشكل المطروح اليوم فهو أمر فيه تعطيل لعمل المؤسسات واستخفاف بعقول النبهاء"، معتبراً أن "مداورة الحقائب تحمل استهدافاً لتيار أولاً ولطائفة ثانياً ولوطن ثالثاً". وقال إن "حقيبة النفط هي الحقيبة الاستراتيجية للبنان ولمسيحييه تحديداً، وفيها ضمانة جديدة مستحدثة لهم. ففيها العلاقات الدولية المسحوبة منهم منذ 25 سنة، وفيها البعد الاقتصادي المتناقص عليهم منذ 25 سنة، وفيها الإنماء المتوازن الغائب عنهم منذ 25 سنة (ربع قرن)". وأضاف: "إذا ظنوا أننا سنهادن لأننا على بعد أشهر من رئاسة الجمهورية فهم مخطئون، جربونا عام 2008 عندما عرضوا علينا الرئاسة مقابل التخلي عن حزب الله ورفضنا".
من جهته، لفت السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري إلى "أننا تفاءلنا جداً الأسبوع الماضي بتشكيل حكومة (...)، لكن للأسف نرى أن لبنان في تراجع ونأمل أن لا يكون هذا التراجع قوياً". و"أن لبنان بحاجة إلى حكومة ويجب أن تكون هذه التطورات نقطة تحول لمصلحة هذا البلد".
الى ذلك، شدد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي على "ضرورة إسقاط جميع الأحكام المسبقة الظاهرة في الإدانة والاتهام والتخوين، ووضع مصلحة الشعب، وحسن سير المؤسسات الدستورية فوق كل اعتبار، ولا سيما تأليف حكومة قادرة تكون على مستوى التحديات الراهنة".