
وسط الجمود الحاصل على صعيد تأليف الحكومة، لا يزال الرئيس المكلف تمام سلام يتحدّث عن تأليف حكومة خلال أيام، ورئيس الجمهورية ميشال سليمان يجاريه. من غير المفهوم سبب إصرار الرئيسين على تأليف حكومة تزيد الوضع السياسي والأمني سوءاً في البلاد، رغم أن القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في لبنان منقسمة بين رأيين:
الأول هو الإصرار على تأليف حكومة جامعة قابلة للحياة، بحسب المواقف الأميركية والأوروبية والإيرانية.
والثاني عدم ممانعة لتأليف حكومة جامعة، بحسب الموقف السعودي.
ومع ذلك، الحكومة لن تبصر النور. ربما ستصدر مراسيمها، لكنها ستولد ميتة. وبدل استغلال اللحظة السياسية لتأليف حكومة جامعة، يصرّ سلام على موقفه بشأن حصة التيار الوطني الحر في الحكومة. وتقول مصادر وسطية إن سلام ينفذ عملية انتحار سياسي. فهو لم يعد يريد أكثر من مرسوم يمنحه رسمياً لقب "دولة الرئيس". ففي إصراره على تأليف "حكومة أمر واقع سياسية"، يكون سلام كمن يدفن حكومته قبل ولادتها، للأسباب الآتية:
1ــ التيار الوطني الحر أبلغ سلام رسمياً رفضه لعرضه الحصول على حقيبتي الخارجية والتربية.
2ــ حزب الله أبلغ سلام ورئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون أنه سيقف إلى جانب التيار الوطني الحر: إما نشارك معاً، أو ننسحب من الحكومة معاً.
3ــ لم يعط رئيس المجلس النيابي نبيه بري سلام أيّ ردّ إيجابي على اقتراحه بقاء ممثلي حركة أمل في الحكومة. كذلك لم يرد بري بأي كلام إيجابي على الطرح ذاته الذي سمعه من وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور. وتؤكد مصادر 8 آذار أن بري قال لسلام: "نشارك نحن وحزب الله، أو ننسحب معاً". لكن الأخير يصرّ على كونه سمع كلاماً إيجابياً من بري. وهو يراهن على منح بري "غطاءً شيعياً للحكومة"، وعلى غطاء من رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية وحزب الطاشناق يعوض انسحاب التيار الوطني الحر من الحكومة. رهان سلام هذا مستمر رغم تأكيد مصادر 8 آذار أن انسحاب العونيين من الحكومة سيعني انسحاب حزب الله، ما يعني انسحاب حركة أمل وتيار المردة والطاشناق. وبغياب القوات اللبنانية، ستكون الحكومة فاقدة لـ"التمثيلين" المسيحي والشيعي.
كذلك فإن انسحاب حزب الله وحركة أمل سيعني قيام النائب وليد جنبلاط بوساطة لإعادة الجميع إلى مجلس الوزراء. وإذا فشلت الوساطة، فإنه سيسحب وزراءه أيضاً، فتصبح حكومة سلام فاقدة للتمثيل الشيعي والمسيحي والدرزي. وهذا الأمر يعني أن هذه الحكومة لن تتمكن من التقاط صورتها التذكارية، هذا قبل البحث في إمكان نيلها الثقة.
ورغم هذه الأجواء الملبدة، حمل سلام إلى قصر بعبدا أمس مسودة تشكيلة، تتضمن التوزيع المذهبي للحقائب. وبحسب مصادر مطلعة على مشاورات التأليف، فإن سلام "لم يتمكن بعد من إعداد مسودة نهائية"، فيما لفتت مصادر أخرى إلى وجود مشكلتين رئيسيتين: الأولى بين سلام وتيار المستقبل، خصوصاً بالنسبة إلى حقيبة الداخلية التي انخفضت إلى الحدود الدنيا أسهم نقيب محامي طرابلس السابق رشيد درباس لتوليها. كذلك فإن رئيس الجمهورية لم يرضَ بعد عن الحصة التي خصّصها له سلام.
وكانت سبقت زيارة سلام إلى قصر بعبدا لقاءات في المصيطبة شملت منسق اللجنة التنفيذية في حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، روني عريجي موفداً من النائب فرنجية، ثم وفداً من حزب الطاشناق ضم أمينه العام آغوب خاتشاريان والنائب أغوب بقردونيان والوزير السابق سيبوه هوفنانيان المرشح لدخول الحكومة العتيدة.
وقال مصدر كتائبي لـ"الأخبار" إن اللقاء الذي جمع سلام والجميّل "لم يتضمن أي بحث حول موضوع الحقائب"، موضحاً أن الأمور لا تزال قيد البحث. وعن موقف الكتائب في حال صدرت مراسيم تأليف الحكومة، أجاب"إن الكتائب طالما نادت بتأليف الحكومة، لأن ذلك يعطي فرصة أفضل من أجل إجراء الانتخابات الرئاسية. ونحن ننظر إليها نظرة إيجابية من أجل مصلحة البلد".
وعمّا يقال عن احتمال استقالة بعض الأطراف من حكومة الأمر الواقع السياسية، ولا سيما المسيحيين منهم، أكد "أن موقف الكتائب مستقل، وأساساً لم تتم الدعوة إلى اجتماع القيادات المسيحية الأربع من أجل اتخاذ موقف موحد من الحكومة، كما حصل بالنسبة إلى قانون الانتخاب". ولفت إلى "أن القوى المسيحية تستقل بموقفها؛ فالتيار الوطني الحر تمسك برفض المداورة من دون التنسيق مع المسيحيين الآخرين، والقوات اللبنانية رفضت المشاركة في طاولة الحوار بخلاف القيادات المسيحية الأخرى".
من جهته، ردّ مصدر في القوات اللبنانية على ما يتردّد عن إمكان تسمية وزير قواتي في الحكومة قائلاً "إن القوات لن تشارك في أي حكومة إلا وفق المطالب التي سبق أن حددتها، أي تضمين البيان الوزاري إعلان بعبدا".
وعن موقف القوات من مشاركة بعض قوى 14 آذار في الحكومة، أكد المصدر أن"هذا الاختلاف في وجهات النظر يبقى تقنياً وإجرائياً، ولن يؤثر على التحالفات في 14 آذار المعروفة بتمايز مواقف أفرقائها".
من جهتها، شكّكت مصادر في قوى 14 آذار في إمكان استقالة وزراء حركة أمل من الحكومة تضامناً مع وزراء تكتل التغيير والإصلاح. ورأت "أن ما سيحصل هو نوع من توزيع الأدوار بين حزب الله وبري حتى يبقى الغطاء الشيعي في الحكومة مؤمّناً ولو استقال أو اعتكف وزراء الحزب".
ولفت في ظل هذه الأجواء اكتفاء النائب جنبلاط بعبارة "لا تعليق"، في موقفه الأسبوعي لصحيفة الأنباء الإلكترونية الصادرة عن الحزب. Ref:wataniya