
التعبئة المذهبية التي أوصل حزب الله البلاد إليها نتيجة سياسته منذ العام 2005 إلى اليوم ورفضه التجاوب مع كل المبادرات الوطنية جعل المساكنة معه مستحيلة، لذا رفضت القوات اللبنانية المشاركة في الحكومة الجامعة. فالمساكنة مع حزب الله بالنسبة للقوات اللبنانية لن ترضي شعب ثورة الأرز بدءًا من فشل كل التجارب الحكومية منذ العام 2005 وصولاً إلى الوضع الإقتصادي المهتري ومواصلة الحزب قتاله في سورية ورفضه تسليم سلاحه وغياب الثقة وتوقع إستمرار التفجيرات والإغتيالات. فإن القائد هو من يقود القاعدة الشعبية وفي حال لم يكن القائد على قدر تطلعات شعبه يخرج من وجدانهم وضميرهم، لذلك عليه المزاوجة بين سياسة مد اليد وبين الإشتراط على الطرف الأخر الإلتقاء في منتصف الطريق للوصول إلى المشترك المسمى الدولة، وإلا يتم إعتباره بأنه يفرط بالمسلمات. فضلاً، عن أن هناك ما يجب التنبه إليه جيداً وهو أن بعض مكونات 14 اذار صرفت كل رصيدها على هذا المستوى عبر التنازلات المتتالية التي اقدمت عليها وبالتالي أي تنازل من الأن فصاعداً سيشكل إستنزافاً لدورها وما ترمز إليه. إن موقف مكونات 14 اذار من هذه المسألة يجب أن يكون موقف مبدئي صلب نهائي يتصل بضرورة التقيد بأحكام الدستور وميثاق العيش المشترك والقرارات الدولية التي تجاوزها ولا يزال يتجاوزها حزب الله.
كان من الأفضل على كل قوى 14 اذار أن تواصل اندفاعتها ومراكبها نحو الرياح المؤاتية من لاهاي العدالة الدولية حيث صورة لبنان واعدة. نعم العقلانية تفرض أن السياسة حسابات انما كثرة الحسابات ستكون على حساب القضية والهدف المنشود. لم تكن تخفى على القوات اللبنانية حسابات عدم معارضة الوصاية السورية لكنها اسقطت منطق الحسابات مقدمة منطق القضية وقد دفعت ثمنها غالياً بسبب هذا الموقف. لا شيء سيفرق الحلفاء في 14 اذار سوى الموت انما التمايز يصبح إختلاف ثم افتراق إذا لم يتم إستيعابه لا سمح الله. إن القوات رفعت صوتها وحيدة على رغم صوت الطيران التجسسي في سماء معراب لأنها تؤمن بما تقول وتفعل ما تؤمن به مفضلة البقاء حيث لا يجرؤ الأخرون. فنحن قوم ومنذ أن وجدنا، مر علينا الكثير من الطغاة والقتلة; 400 سنة من الحكم العثماني الغاشم والمستبد و 30 سنة من الحكم السوري المجرم القاتل وفي النهاية انتصرنا ولم نتزحزح عن مبادئنا لذلك تاريخنا مشرف، حاضرنا مميز ومستقبلنا مشرق. إن مجتمعاً لا يعرف متى يتحرك ومتى يتمرد ومتى يثور من جديد هو مجتمع في حل موت سريري وكوما إجتماعية وسياسية فالحقيقة تقضي أن يكون الجميع على يقين اننا إما نعيش احراراً أو نموت ابطالاً ... وتاريخنا يشهد اننا نجيد الإثنين معاً.
لا يمكن الحديث عن ثورة أرز ويوم مجيد في 14 اذار من دون التوقف أمام حادثة إستشهاد الرئيس رفيق الحريري. هذا الإستشهاد دفع الأمور بإتجاه الوحدة لا التفكك والمصالحة لا الشرذمة كما هذا الإغتيال أسقط مخطط إبقاء لبنان تحت يد الوصاية وأسس لمسار العدالة عبر إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
مناسبة 14 اذار هي وطنية بإمتياز، فتحت الطريق أمام تحرير لبنان من الوصاية السورية وتغليب الخيار اللبناني على الخيار العروبي. إن 14 اذار اعادت إحياء الميثاق اللبناني والتأكيد أن اللبنانيين مسيحيين ومسلمين قادرون على الإتفاق على أهداف وقضية واحدة وصناعة خيارات مشتركة. إن 14 شباط تحول إلى حدث وطني وجميع عمليات الإغتيال في لبنان تقريباً صبت في المصلحة السورية فالمخطط والمنفذ والمستفيد كلهم معروفون. إن ملف الإغتيالات الذي كان الهدف منه ليس التخلص من القيادات لمجرد التخلص منها انما هزم المشروع السيادي والإستقلالي في لبنان، الأمر الذي يعني أن مسؤولية التنازل أو التسوية أو المساومة هي مسؤولية 14 اذار بكامل مكوناتها الحزبية والمستقلة.
14 اذار، إنتفاضة الإستقلال، ثورة الأرز، هي ذكرى للمستقبل لا للماضي. ذكرى للبنانيين الذين رفضوا التنازل عن كل قطرة دم إلا بتسوية وطنية تعيد الإعتبار لجميع الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن القضية اللبنانية ولا يمكن لهذه التسوية أن تكون أقل من إستعادة السيادة وهيبة الدولة المنشودة كاملة.
فالمجد للبنان المجد للرب المجد لهذه الأرض السابحة بالأحمر لكن لم ولن نغرق فيها ... لأن سلاحنا الإيمان، فمهما تكون الطريق طويلة شاقة صعبة فأغلى المشاوير هو مشوار الحرية. في نهاية المطاف لن تكون إلا مشيئته كما في السماء كذلك على الأرض
حزب القوات اللبنانية
مركز مونتريال