
وبالتالي قد يعتبر تيار "المستقبل" في سياق تبريره هذا القبول في الجلوس مع ممثلي حزب يمعن مقاتلوه بالجريمة السورية الى الطاولة نفسها الجامعة لحكومة مقبلة, بأن مد اليد لملاقاة الحزب في نصف الدرب, قد يمهد الى الوصول الى اوضاع تمكن الدولة اللبنانية من تحقيق الحياد الآمن عن مجريات الأحداث في سورية. وذلك ربما عن طريق المراهنة على موقف ينتظره فريق "14 آذار" يصدر عن الحزب ويعلن بموجبه الالتزام بإعلان بعبدا وقبوله التراجع عن صيغة "جيش وشعب ومقاومة" والتي كان يتمسك بها ويعتبرها لبنة أساسية في تشكيل كل الحكومات السابقة.
وبانتظار أن تنجلي الأمور بشأن هذه المراهنات وتداعياتها الفعلية على أرض الواقع, وبانتظار أن ينكشح الضباب حول مسألة ما سوف يتضمنه البيان الوزاري, تبقى المخاوف والتساؤلات نفسها حول مدى قابلية "حزب الله" الالتزام بكلامه وبوعوده وخصوصا أن التجارب السابقة معه في هذا المجال لم تكن مرضية, ولا مشجعة على الاستمرار بمد اليد باتجاهه, فلا الكلام عن وحدوية شعار "جيش وشعب ومقاومة" منعه من التفرد بقرار الحرب والسلم, ولا الجلوس معه الى طاولة لمجلس الوزراء ساهم في حقن دماء قادة وممثلي فريق "14 آذار", حيث إن غالبيتهم طاولتهم اليد الغادرة, و"حزب الله" متواجد بشكل شاهد زور في كل التشكيلات الوزارية السابقة.
كما أن إعلان "حزب الله" الالتزام بالقرارات الدولية, سيما القرار 1701 لم يرده عن تكديس الأسلحة في كل مناطق الجنوب خارج الحدود المفروضة, أي وراء الليطاني المدرجة في القرار الدولي.
أما الأمر الأكثر خطورة في كل ما يجري, فهو ليس شكل التوزيع العددي للحكومة ولا قبول أو عدم قبول "حزب الله" العودة عن رفضه لإعلان بعبدا أو التخلي, أو عدمه عن شعار "جيش وشعب ومقاومة", الأخطر هو مجرد تواجد "حزب الله" اليوم في أي حكومة مقبلة, وفي هذه المرحلة بالذات, بمعنى تواجده وهو مسيطر على قرار الحرب والسلم من ناحية, وحرية التواجد واستمراره في الداخل السوري من ناحية أخرى.
كما أن مجرد تواجده يعني مسبقاً رضوخ باقي الفرقاء لكل مقرراته وان لم يكن بالحسنى يكون بواسطة التخويف والترهيب والتهديد, فهو الفريق الوحيد الذي يملك السلاح والعتاد الفتاك ضمن التشكيلة الحكومية, ومن يملك القوة يملك القرار, وألا ننسى أن الحزب تمكن من إحداث التعطيل داخل الحكومة بمجرد اعتكاف وزرائه ووزراء حركة "أمل" عندما طرح موضوع تمويل المحكمة الدولية. فعنصر التخويف, ناهيك عن التهديد الذي يمارسه على الفرقاء الآخرين في الحكومة, خارج عن فريق "14 آذار" ممن يسمون "الحياديين", أو من غير الملتزمين, كممثلي النائب وليد جنبلاط, كفيل بتحويل الأكثرية لصالحه عندما يحتاجه الأمر, وهو بالتالي ليس بحاجة الى تحقيقها, أي هذه الأكثرية بشكل مسبق, ولكن "حزب الله" يهمه اليوم مجرد التواجد في الحكومة بأي صيغة ممكنة ومعاكسة حصول ذلك أو الوقوف بوجهه, هو متعذر على أي كان, فلا رئيس الجمهورية قادر على هذا ولا سواه.
يبقى أن ما يمكن قوله, هو إن المناورة التي تخلو من الدهاء, والتي قام بها "حزب الله" بعد اغتيال الوزير شطح, شكلت مقدمة لفرض مشاركته في الحكومة وهي مشاركة كانت ترفضها قوى "14 آذار" بسبب رفضها لقتال "حزب الله" في سورية ودعوتها له للانسحاب من الداخل السوري قبل التفكير بأي شراكة حكومية مقبلة. والمناورة كان فحواها حمل فريق "14 آذار" على تغيير موقفه الرافض لمشاركة الحزب بالوزارة, وهذا ما حدث فعلاً. لقد تغيرت بالفعل المعادلة بعد اغتيال الوزير شطح, حيث إن قبول فريق "المستقبل" أصبح شبه محتم بسبب التهديد الذي حمله هذا الاغتيال, وأفرغ موقف "14 آذار" عموما من مضمونه الرافض لمد اليد باتجاه حزب مشارك بالجريمة السورية.
بمعنى أن "حزب الله" في قبوله بصيغة "ثلاث ثمانات" يربح أوراقاً كثيرة دفعة واحدة من ناحية أنه يصبح حر اليدين, طليقاً أكثر, أولاً: في قراره المضي في القتال في الداخل السوري, وثانياً: عن طريق الاستكمال في التمتع بقرار الحرب والسلم في الداخل اللبناني, والإبقاء على سلاحه لهذا الهدف, وتحت هذه الذريعة, ناهيك عن تبييض مجاني لصفحته الملوثة بالدم السوري يقدمها له تيار "المستقبل" على الصعيد السني ناهيك عن العالمي, وخصوصا على مشارف انعقاد المحكمة الدولية الناظرة باغتيال الرئيس الحريري. فالمشاركة في الحكومة تعطيه الكثير ولا تفقده شيئاً على عكس تيار "المستقبل" الذي سوف يخسر الكثير عن طريق هذه المشاركة, فهو سوف يخسر حلفاءه من المسيحيين, وأولهم حزب "القوات اللبنانية", المصر على عدم مصافحة اليد القاتلة للشعب السوري, وثانياً على صعيد قاعدته السنية بالذات التي بدأ يعمها الاستياء, لا سيما أن دم الشهداء الذين سقطوا في تفجير "الستاركو" وعلى رأسهم الشهيد محمد شطح لم تجف بعد, أما ثالثاً فهو عن طريق إظهاره وكأنه مكون لبناني طبيعي ولا يمكن مقاضاته, عندما يحين وقت تعداد المجرمين بحق الشعب السوري في حال أدرج هكذا بند في مؤتمر "جنيف - 2".
بالمختصر بقبوله المشاركة مع "حزب الله" في الوزارة نفسها يؤمن تيار "المستقبل" اليوم, الغطاء المريح لـ"حزب الله" ولكن على حسابه وحساب مستقبل قاعدته ومصير المحكمة الدولية, والحزب في المقابل, كما العادة, بدهائه المعهود, ما زال يراهن ويكسب من تمكنه من حمل تيار "المستقبل" على الانبطاح مجدداً ومجدداً.