
وإزاء المخاوف المتنامية على مصير هذا الاستحقاق، أكد البطريرك
حكومياً، يبدو انه كلما وصلت أزمة التأليف الى حافة الهاوية، استنفر الوسطاء لإعادتها خطوة الى الوراء، إفساحاً في المجال امام فرصة جديدة للتوافق، خصوصاً ان الجميع، وفي طليعتهم الملوّحين بحكومة الأمر الواقع الحيادية او السياسية يدركون ان كلفتها ستكون مرتفعة جداً عليهم وعلى البلد.
ولئن كان خيار حكومة الامر الواقع يتقدم أكثر فأكثر، كلما تأخرت الحكومة الجامعة يوماً إضافياً، إلا ان الوسطاء لم يقطعوا الامل بعد في إمكانية إنقاذ فرصة التوافق في اللحظة الاخيرة، بعدما تكون معركة "عض الأصابع" بين الرئيس تمام سلام والعماد ميشال عون قد وصلت الى حدها الأقصى.
وربما لن يكون مفهوماً أن ينهار مشروع الحكومة الجامعة بسبب عقدة المداورة، بعدما حقق الأصعب والأهم على المستوى الاستراتيجي، وهو تجاوز الخلاف بين "حزب الله" و"حركة أمل" و"تيار المستقبل" حول التركيبة السياسية للحكومة، الأمر الذي دفع مرجعاً سياسياً كبيراً الى القول في مجالسه الخاصة إن ما يجري ليس بريئاً.
وفي حين لم تؤد الجهود التي بُذلت أمس الى تحقيق تقدم ملموس على طريق حلحلة عقدة المداورة، يُتوقع ان تستمر في الساعات المقبلة المساعي التوفيقية التي يقوم بها "حزب الله" والنائب وليد جنبلاط عبر الوزير وائل ابو فاعور.
وفيما التقى ابو فاعور أمس الرئيس نبيه بري والرئيس تمام سلام وتواصل مع الرئيس ميشال سليمان و"حزب الله"، زار الوزير جبران باسيل رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية، وسُجل تواصل بين المعاون السياسي لبري الوزير علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لـ"حزب الله" حسين خليل، ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، للبحث في المخارج المحتملة التي تمنع الذهاب نحو خيارات غير توافقية.
كما تواصلت اللقاءات بين سليمان وسلام بعيداً من الإعلام، وكان آخرها ليل امس الأول قبيل توجههما إلى دارة النائب ميشال المر في الرابية، كما ان الوزير السابق خليل الهراوي يتواصل يومياً مع دارة آل سلام.
عون: فليعتذر سلام
وقد أظهرت حصيلة المشاورات أمس أن عون لا يزال على موقفه الرافض لمبدأ المداورة، إنما من دون ان يقفل الباب كلياً امام المعالجات، بحيث تعمّد بعد اجتماع "تكتل التغيير والاصلاح" ان يترك "خط الرجعة" مفتوحاً، على الرغم من الانتقادات الحادة التي وجهها الى الرئيس المكلف.
ورأى عون في بيان مكتوب تلاه بعد الاجتماع أن "ذروة المخالفات التي يهدّد بها المسؤول الشعب اللبناني هي تأليف حكومة أمر واقع، لأنه يجهل أن الفشل في تأليف الحكومة بعد عشرة أشهر، قضاها من دون أي جهد لحل الأزمة ينهي التكليف ويوجب الاعتذار"، مؤكداً ان "الرئيس المكلّف يعبث بتأليف الحكومة وبالمعايير والضوابط التي تؤمّن صحة مسار التأليف". واعتبر أن "اي حكومة تؤلّف خارج الأطر الدستورية والقانونية هي حكومة فاقدة للشرعية، وعلى هذا الاساس نحدّد موقف التكتل".
وأبلغ مصدر واسع الإطلاع ومواكب لعملية تأليف الحكومة "السفير" أن الامور غير مقفلة تماماً، متوقعاً ان تكون الساعات الـ72 المقبلة حاسمة في تحديد اتجاهات الريح. وأشار الى ان "العقد الحكومية ليست محصورة فقط بالتيار الوطني الحر إنما تشمل كل الافرقاء لا سيما مسيحيي 14 آذار، وان تصوير الامر وكأنه رهن العماد عون يجافي الحقيقة".
واعتبر أن المطلوب وضع تركيبة حكومية كاملة لكي يستطيع الافرقاء التباحث في شأنها، وهذا الأمر غير متوافر إلى الآن، إذ أن العبارة السحرية الوحيدة التي يتسلح بها الرئيس سلام في مواجهة الجميع، هي: "أعطوني أسماء وما بتكونوا إلا مبسوطين"، فهل هذه العبارة تشكل حكومة؟
وتساءل المصدر: اين هي الطبخة الحكومية المنتظرة؟ مشيراً الى انه عندما تصل هذه الطبخة الى رئيس الجمهورية ستكون له كلمته، لا سيما في موضوع المناصفة والتوازن في الحقائب.
بري لعدم التفريط بالفرصة الذهبية
وقال الرئيس بري لـ"السفير" إنه لا يزال ينتظر أي جديد، حتى يبنى على الشيء مقتضاه، مشيراً إلى انه إذا لمس ان هناك ما يستدعي تدخله مجدداً لتسهيل ولادة الحكومة، فهو سيفعل "لكن حتى الآن لا أزال عند موقفي المعلن بأنني أديت عسكريتي".
ورفض التطرق الى المهل الزمنية التي لا تزال متاحة امام الحكومة الجامعة، مشدداً على ضرورة عدم التفريط بالفرصة الذهبية المتوافرة لتشكيل حكومة تضم الجميع، وتتولى التصدي للاستحقاقات والملفات الداهمة.
وأكد بري أن الحكومة الجامعة هي نصف الطريق نحو إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، معتبراً انها تشبه المقدمة الجميلة للكتاب. واضاف: من يريد إنجاز الاستحقاق الرئاسي، يجب أن يسعى الى لم الشمل في حكومة توافقية، لأن من شأن ذلك ان ينعكس إيجاباً، وبشكل تلقائي، على ملف رئاسة الجمهورية.
ونبه بري الى مخاطر المضي في لعبة التعطيل الجهنمية، لافتاً الانتباه الى ان استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أدت الى تعطيل مجلس النواب، ثم تعطلت الحكومة أيضاً، وها هي إشارات التعطيل تحوم حول انتخابات الرئاسة، فإلى متى سيستمر الدوران في الحلقة المفرغة.
وإذ شدد على ان المداورة تكون شاملة او لا تكون، حذر من ان الفشل في تشكيل حكومة جامعة سيقود الى واحد من احتمالين: إما حكومة حيادية تنال الثقة النيابية، وإما حكومة أمر واقع سياسية قد تقاطعها القوى المسيحية الاساسية وعندها ستفقد ميثاقيتها.
وأشار بري الى انه "جرت العادة ان نحمّل الخارج مسؤولية أزماتنا، لكن هذه المرة تبين بوضوح ان المشكلة تكمن في داخلنا". وتابع متوجهاً الى القيادات السياسية: إتقوا الله.. مخافة الله، رأس الحكمة.
وقالت اوساط الرئيس سلام لـ"السفير" إن مسعى "حزب الله" لدى العماد عون كان جدياً، لكن عون لم يقدم أي تسهيلات تفيد في تسريع تشكيل الحكومة، كما فعل الحزب والقوى السياسية الأخرى، ومنها الرئيس سعد الحريري، "ولا يمكن ان نوقف عجلة تأليف الحكومة ارضاء لجهة او شخص".
وأبلغت مصادر في فريق "8 آذار" "السفير" أن "سلام يكتفي بانتظار مساعي فريقنا مع التيار الحر وهو لا يسلفنا اي اقتراح او عرض متكامل لتوزيع الحقائب"، مشيرة الى انه "مطالب ايضاً بتقديم تصوره الكامل لتوزيع الحقائب على فريقنا، إذ لم نفهم منه إلا انه يقدم وزارة المالية لفريق 8 آذار بدل وزارة الخارجية، ولم يقدم تصوراً للحقائب السبع الأخرى حتى يساعدنا في مساعينا مع عون".
الراعي: الفراغ في الرئاسة موت
وبينما اتخذت بكركي موقفاً حاسماً بوجوب ان يكون التمثيل المسيحي في الحكومة منصفاً وعادلاً، قال البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي لـ"السفير" إن وثيقة وطنية ستصدر عن اجتماع مجلس المطارنة الموارنة المقبل ترتكز على مقومات ثلاثة، هي: الثوابت الوطنية، الهواجس والأولويات.
وشدد على ان إسرائيل هي الاساس في المخطط الذي يستهدف المنطقة عبر خلق المزيد من النعرات الطائفية والمذهبية، مضيفا: عندما ندعو الى الحل السلمي في سوريا، يتهموننا بأننا مع النظام.
وأكد "ان هناك رئيساً جديداً لا محالة"، رافضاً بشكل قطعي أي فرضية تقول بالفراغ وعدم حصول الانتخابات الرئاسية، "لان هذه الفرضية تعني الموت وأنا أرفض الموت، ومن يطرح مثل هذه الفرضية ويسأل عن "خطة ب" وغيرها لا يريد الانتخابات".
ورأى أن المطلوب رئيس بكل معنى الكلمة، مشيراً الى ان ثمة عشرة أشخاص على الأقل تنطبق عليهم هذه الصفة .