
واذا كان الانفجار الارهابي الذي هزّ مدينة الهرمل مساء السبت يمكن أن يعجل في ولادة حكومة جامعة، فان حركة الاتصالات نشطت على هذا الصعيد منذ ما بعد ظهر امس، لكنها لم تنتج اتفاقاً حتى الليل، على رغم ان عدداً من الوزراء الحاليين ابلغوا المتصلين بهم أن "الطبخة استوت"، وان الرئيس المكلف تمام سلام ادار محركاته مجدداً وبوتيرة اكثر جدية تمهيداً لولادة حكومية قريبة حدد موعد صدور مراسيمها غدا الثلثاء او بعده الاربعاء "اياً تكن نتائج المشاورات الجارية، وسط تأكيد اكثر من طرف داخل فريق 8 آذار ان احداً لن يقاطع الحكومة بعد صدور مرسوم تأليفها".
وعلم في هذا الاطار ان احد الوزراء اعلم فريقه بأن يعمل على جمع اغراضه الخاصة اليوم تمهيداً للتسليم في الايام القريبة.
وعلمت "النهار" أن الرئيس المكلف قام في عطلة نهاية الاسبوع بما يشبه الجولة الاخيرة من الاتصالات تحضيراً لاعلان تشكيل الحكومة الجديدة بالتشاور مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، فزار السبت رئيس كتلة "المستقبل" الرئيس فؤاد السنيورة واتصل في اليوم نفسه بالعماد ميشال عون. ثم زار الاحد رئيس مجلس النواب نبيه بري بعدما استقبل تباعاً المعاون السياسي للأمين العام لـ"حزب الله" حسين الخليل والوزير جبران باسيل. فيما كان الوزير وائل أبو فاعور يتحرك في اتجاه دارة المصيطبة بتكليف من رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط.
وفي معلومات لـ"النهار" ان الوزير باسيل اعاد سؤال سلام عن جدوى المداورة وخصوصا اذا كانت الحكومة لأشهر قليلة وبعدها هناك استحقاق رئاسي. وأوضح سلام ان مبدأ المداورة تم التوافق عليه وهو مبدأ صحي. عندها سأل باسيل عن الحقيبة المخصصة لـ"التيار" والجواب ان المال والخارجية من حصة 8 آذار.
فاستوضح: "لماذا تريد نقل المشكلة الى فريقنا السياسي". وافادت المعلومات أن اللقاء وإن لم يحمل جديداً تخلله عرض للعقبات منها اصرار "المستقبل" على حقيبة الداخلية، والرئيس سليمان على الدفاع، وبعد نقاش مع سلام توجه الاخير الى عين التينة للتشاور مع بري. وقالت أوساط المجتمعين لـ"النهار" ان بري اوضح انه اذا كانت الداخلية من حصة المستقبل والدفاع من حصة مقرب من سليمان، وان الفريق الآخر لا يرغب في بقاء الخارجية مع الطرف الشيعي، عندها لا تبقى سوى المال وهي ستكون من حصة الثنائي الشيعي، انتهى اللقاء عند هذا الحد من دون جديد. ويبقى اللقاء المتوقع بين سلام وعون بعدما اقتنع الرئيس المكلف بضرورة التشاور المباشر، لكن اجواء اللقاءات امس تركت انطباعاً لدى "التيار الوطني الحر" أن سلام جاد في التواصل والتشاور مع جميع الأطراف وهو امر ايجابي.
وأكد مصدر متابع "النهار" ليلاً أن الوزير باسيل لم يطالب بحقيبة المال كما تردد امس، وان حصة "التيار" ستكون الخارجية والتربية، وعليه فقد وعد باسيل بالرد خلال 24 ساعة من تاريخ امس، واذا كان الجواب ايجابياً فيمكن عندها الرئيس المكلف أن يلتقي النائب ميشال عون قبيل اعلان الولادة اليوم او غدا. أما اذا اتى الجواب سلبياً، فان الرئيس سلام أطلع الرئيس بري على اجواء التعطيل وأعلمه بقرب اعلان التشكيلة "بمن حضر".
الهرمل والطريق الجديدة
في الجانب الأمني، أدى التفجير الارهابي في محطة الايتام التابعة لجمعية المبرات الخيرية الاسلامية في الهرمل الى سقوط 4 شهداء ونحو 28 جريحاً، وخلّف اضراراً مادية كبيرة، لكنها دون ما كان يأمل به الانتحاري.
ففي معلومات أمنية لـ"النهار" ان الانتحاري خطط لتفجير نفسه عند خزانات الوقود للتسبب بحريق كبير وانفجار اكبر، لكنه اشتبه في غطاء المجاري وفجر نفسه هناك مما حد من الخسائر.
وانعكس التفجير توتراً في أكثر من مكان وخصوصاً بعد المعلومات عن ان السيارة خرجت من عرسال مما اضطر عدداً من مخاتير البلدة وأهاليها للتوجه الى اللبوة واستنكار الحادث وتأكيد رفع الغطاء عن كل مخل بالأمن.
في المقابل، توتر الأمن في الضاحية الجنوبية ليل السبت بعض الوقت، وخرج مسلحون الى الشارع وخصوصاً في جوار مخيم برج البراجنة والطريق الجديدة، وألقى مجهولون قنبلة يدوية في باحة مسجد الخاشقجي ادت الى جرح شخصين، وأنذت بخطر اشتباك يتخذ بعداً مذهبياً.
الى ذلك، استمر الهلع في الضاحية الجنوبية لبيروت وخلت الشوارع خصوصاً في ساعات مساء أمس بعدما سرت شائعات عن توجه سيارة مفخخة من البقاع الى بيروت، واتخاذ الجيش والقوى الأمنية اجراءات مشددة.
اجراءات صارمة
وتحدث مصدر أمني الى "النهار" السبت قبيل انفجار الهرمل فقال إن الاسبوع الماضي مر بسلام على الضاحية الجنوبية لبيروت تحديداً، والسبب ان الاجراءات التي اتخذها الجيش والقوى الأمنية تعاوناً مع مخابرات "حزب الله" فعلت فعلها، اضافة الى مفاعيل توقيف الشيخ عمر الاطرش واعترافه بإدخال السيارات المفخخة من سوريا عبر عرسال، مروراً بالمخيمات الفلسطينية. هذه الاعترافات أدت الى اجراءات متعددة الاتجاه:
- أولاً في عرسال حيث عمل الاهالي مع البلدية على ضبط حركة مرور السيارات والمسلحين من سوريا خوفاً من مزيد من الضغط والحصار والقصف للبلدة التي باتت تضيق بأهاليها وبالنازحين السوريين، ووضعها الاجتماعي والمعيشي ينذر بالخطر. ولا شك في أن القصف الاخير الذي طاول البلدة من سوريا وجه تهديداً مباشراً لها فهمه الاهالي جيداً.
- ثانياً، ان انكشاف أمر مرور السيارات المفخخة عبر المخيمات، دفع الفاعلين داخل هذه المخيمات الى اتخاذ اجراءات صارمة ومشددة حيال المقيمين والقادمين الى المخيم، وخصوصاً في مخيم برج البراجنة الواقع عملياً في الضاحية. وقد شددت الجهات الناشطة والفاعلة في المخيم على ضبط الوضع تجنباً لصدام مع المحيط، قد يؤدي الى معارك لا تحمد عقباها.
- ثالثاً، ان "حزب الله" المتخوف من "خيانة" في صفوفه أو بين المقيمين في الضاحية، حرك أجهزته الأمنية ولا سيما منها مخابراته في حي صفير، للبحث عن كل الاشخاص الذين لا يوالونه تماماً، ومراقبتهم، كما حصل أمن الحزب على داتا الاتصالات لعدد كبير من المقيمين في الضاحية لمراقبة حركتهم وتواصلهم مع جهات أو أفراد مشبوهين. وتم استدعاء عدد منهم الى التحقيق.
- رابعاً، ان "حزب الله" بدأ يتخذ اجراءات جديدة عبر كاميرات متطورة جداً، وهو يبحث بعد الكلاب البوليسية في الاستعانة بآلات كشف "سكانر" توضع عند مداخل الضاحية التي يمكن أن تحصر بعشرة، اضافة الى مداخل بعض المدن الرئيسية مثل النبطية وبعلبك والهرمل وغيرها. لكن هذا الامر مكلف إذ يمكن أن يبلغ ثمن الآلة الواحدة نحو 500 ألف دولار، وثمة حاجة الى نحو 30 آلة.
وأدت الاجراءات المشددة داخل احياء الضاحية، مع ما سببته وتسببه من تذمر بسبب زحمة السير وتراجع الحركة الاقتصادية، الى تقييد حركة الجميع، بمن فيهم المجرمون المحتملون. ومن الاجراءات المتخذة:
- وضع عناصر بلباس مدني أو عسكري في كل الشوارع والاحياء.
- نشر عدد من القناصة على سطوح الأبنية المطلة على الشوارع والاحياء مع مناظير ليلية.
- مراقبة مداخل الضاحية ولا سيما من جهة مخيم برج البراجنة، بالكاميرات والمناظير.
- الحصول على داتا الاتصالات لعدد كبير من الاشخاص والعمل على تحليلها وربطها باتصالات ناشطين سوريين وفلسطينيين.
لكن المصدر الأمني رأى ان هذه الاجراءات تخدم اسبوعاً الى اسبوعين، ليتمكن المجرمون من التخلص من ارباك الاجراءات، ويجدوا منافذ جديدة، لأن المعركة كبيرة وطويلة، والأجهزة الأمنية تنشط في تحركات موازية لما يقوم به الحزب، وقد أحبطت تفجير سيارة واحدة في الضاحية الجنوبية لم يعلن عنها، ولا تأكيد الشائعة - الخبر التي صدرت لعدم إثارة البلبلة في الشارع.
وأضاف المصدر الأمني لـ"النهار" ان الحال الاقتصادية المعيشية في الضاحية باتت تشكل عبئاً إضافياً على الوضع الأمني، إذ ان تركيب كاميرات لمعظم المحال والمدارس والمؤسسات، اضافة الى مداخل بنايات، زاد المصاريف الشهرية والاعباء على الناس، في ظل تباطؤ للحركة الاقتصادية بلغ ما يقرب من 40 في المئة، واضطر معه عدد من اصحاب المحال التجارية الى الاقفال النهائي، لأن المصاريف الثابتة زادت على المداخيل. وتراجعت قيمة العقارات المبنية بنحو 30 في المئة بسبب عدم الاقبال على الشراء في ظل عروض للبيع وان محدودة.