
لم تعد وقائع الساعات الأخيرة التي واكبت الولادة الحكومية القيصرية ظهر السبت والتي انتهت بصدور مراسيم التأليف والتقاط الصورة التذكارية للحكومة في قصر بعبدا ذات أهمية ودلالات بعدما برز بقوة مناخ الترحيب الدولي بالحكومة واحتضانها مقترنا برياح انفراج داخلي، ولو شابت هذا الانفراج ردود فعل شديدة التناقض لدى قواعد كل من فريقي 14 آذار و8 آذار، فضلاً عن مسارعة أصابع الارهاب الى التذكير بما يواجهه لبنان من استمرار للاستهدافات الارهابية على غرار ما حصل غداة ولادة الحكومة باكتشاف الجيش سيارة مفخخة بـ 250 كيلوغراما من المواد المتفجرة وتعطيلها قرب الحدود الشرقية مع سوريا.
غير ان ذلك لم يحجب الدلالة الكبيرة التي اكتسبتها التركيبة الحكومية من حيث اعتبارها على نطاق خارجي وداخلي واسع تطوراً بارزاً في اعادة التوازن الى السلطة مع عودة فريق 14 آذار الى الحكومة ووضع حد للاستئثار الاحادي بالسلطة منذ ثلاث سنوات، علماً ان هذه العودة برزت بشكل خاص في تولي هذا الفريق ثلاث حقائب معنية بالامن هي الداخلية والعدل والاتصالات. كما ان البعد الخارجي للدفع نحو تشكيل الحكومة يتمثل في تقاطع دولي حول عزل لبنان ما أمكن عن تداعيات الحرب السورية والتمهيد لانجاز الاستحقاق الرئاسي، إلا ان هذا البعد لا يزال عرضة للشكوك في ظل تمترس كل افرقاء النزاع الداخلي حول الانقسام الحاد حيال "اعلان بعبدا" الذي سيشكل الاختبار الاقوى للشركة الحكومية في الاسابيع المقبلة.
وتتجه الانظار من اليوم الى هذه المعركة الشاقة التي يمثلها الاستحقاق الاول بعد مخاض التأليف وهو صياغة البيان الوزاري الذي تبين ان المشاورات والاتصالات في شأنه بدأت فور ولادة الحكومة على قاعدة ضرب الحديد حاميا والاسراع ما أمكن في توظيف مناخ التسوية الذي نجح بعد طول مخاض في تشكيل الحكومة، عله يوفر مخرجاً مماثلاً لمأزق البيان الوزاري.
واستبق الرئيس سلام دخوله صباح اليوم السرايا واجتمع بعد ظهر أمس مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان في بعبدا حيث عرضا الاجواء العامة السائدة والتحضير لعقد الجلسة الاولى لمجلس الوزراء التي يرجح انعقادها غدا في القصر لتأليف اللجنة الوزارية التي ستناط بها مهمة وضع البيان الوزاري في مدة لا تتجاوز الشهر.
وأكدت مصادر قريبة من رئيس الوزراء لـ"النهار" ان النية تتجه نحو بيان وزاري مقتضب لا يغرق في التفاصيل والتعهدات التي تعجز عنها الحكومة التي لن تعمر سوى ثلاثة اشهر وذلك انطلاقا من ان البيان يجب ان يعكس المهمة الاساسية للحكومة وهي التحضير للاستحقاق الرئاسي وأي بيان فضفاض سيترك انطباعات عن نية مضمرة بأن الحكومة ستعمر طويلاً.
وتحدثت أوساط سياسية بارزة عن اتجاه الى تجنب المواضيع الخلافية وتحييد البيان الوزاري عن امكانات التفجير السياسي المبكر بالسعي الى ادراج عناوين أساسية لا خلاف عليها كالاستحقاق الرئاسي والتصدي للتحديات الامنية والاقتصادية. فيما استرعى الانتباه ما اعلنه وزير الصحة وائل أبو فاعور من ان رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط تابع اتصالاته بعد اعلان الحكومة وخصوصاً مع الرئيس فؤاد السنيورة وقيادة "حزب الله"، مشيراً الى ان "الطرفين أكدا ايجابيتهما واستعدادهما لفتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما ".
وكان الرئيس امين الجميل صرح أمس بأن "موقفنا واضح وصريح ومعركتنا ستكون اساسية داخل مجلس الوزراء"، مشدداً على "سقوط ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة".
وقال وزير الاتصالات بطرس حرب لـ"النهار" عشية انطلاق عمل الحكومة "إن الكل يعرف انني لم أسع الى تولي حقيبة وزارية ومشاركتي في الحكومة تأتي من باب شرف المساهمة في تحمل مسؤولية وطنية في مرحلة دقيقة يستهدف فيها لبنان وتجنباً لفراغ محتمل ومنعاً للابتزاز السياسي في الاستحقاق الرئاسي، ومن المؤكد انه بوجود حكومة يصبح الابتزاز اقل تأثيراً. واضاف: "ان مشاركتنا في الحكومة لن تكون على حساب مبادئنا الوطنية ولن نقبل إلا باعلان بعبدا في البيان الوزاري وليس واردا على الاطلاق ادراج ما عرف بـ"ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة" بعد تورط "حزب الله" في الحرب الدائرة في سوريا". وهدد حرب بالانسحاب من الحكومة اذا لم يدرج اعلان بعبدا في البيان الوزاري، علما انه من شبه المؤكد انه سيكون عضوا في لجنة صياغة البيان.
نصرالله
وفي اطلالة له مساء أمس في "يوم الشهداء" تناول الامين العام لـ"حزب الله" الحدث الحكومي عازيا الفضل في قيامها الى الحزب وحركة "أمل" معتبراً "اننا الخاسر الاكبر من الحكومة ولم نسأل عن الحقائب". وقال: "نتطلع الى حكومة ونريد لها ان تكون حكومة تلاق لا حكومة المتاريس وأقول بكل جدية اننا ذاهبون الى الحكومة ليس بنية عداوات وخصومات ونأمل ان نذهب الى حكومة تلاق وتفاهم وحوار ونقل المشكلة من الشارع وتخفيف حدة الخطاب السياسي ". وفي ما بدا رسماً للعناوين الاساسية للبيان الوزاري كما يراه الحزب، قال نصرالله إن "أولويات الحكومة كما اعلن رئيسها هي تحقيق الاستحقاق الرئاسي ويجب ان نتعاون جميعا لاجرائه ثم نأمل ان تتصدى الحكومة لكل أنواع الارهاب"، مشيراً الى تولي وزراء للرئيس سليمان و14 آذار وزارات الدفاع والداخلية والعدل والاتصالات. انه اتخذ ابرز نبرة متشددة في شأن تدخل حزبه في الحرب السورية حاملاً تكراراً على سياسة "النأي بالنفس أي دس الرأس في التراب" ومتسائلا "لماذا لا يحق لنا اتخاذ اجراءات وحرب استباقية فيما يحق للسعودية وكل دول العالم ان تقلق من وجود شبابها مع المجموعات المسلحة في سوريا؟".
ولم تجد مصادر في 14 آذار في خطاب السيد نصرالله جديداً. ورأت ان امتداحه القانون السعودي الذي يعاقب السعوديين على المشاركة في حرب سوريا يستدعي التأمل ويفرض سؤالا عن موقف يجب ان يتخذه لبنان ضد اللبنانيين الذين يشاركون في الحرب السورية. وأضافت ان "حزب الله" شكل الحكومة السابقة ولا معنى لأن ينتقدها لعدم قيامها بأي عمل حيال ما جرى في سوريا.
ref:wataniya