
ما كادت المحكمة الدولية (الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري) تباشر عملها، حتى عادت لتتوقف، بفعل التأجيل. تأجيل ستعلنه اليوم، لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، بحسب ما اكدت مصادر في المحكمة لـ"الأخبار". فيوم امس، قررت غرفة الدرجة الاولى ضم ملف ملاحقة المتهم حسن مرعي إلى ملف مقاضاة المتهمين الأربعة (سليم عياش ومصطفى بدر الدين وحسين عنيسي واسد صبرا). القصة "سهلة": الاربعة متهمون بالمشاركة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وحسن مرعي متهم بأنه خامسهم. المنطق يقول إنهم سيُحاكمون بالتهمة نفسها، معاً. لكن هذا "المنطق" ليس مسلّماً به في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تعتمد نظام محاكمة غريباً عن اللبنانيين. نظام معتمد في الولايات المتحدة وعدد من دول العالم. وفيه، أن على المحكمة أن تجتمع وتقرر ضمّ الملفين، أحدهما إلى الآخر، رغم معرفة جميع المعنيين، من قضاة ومدعين عامين، بأن الملفين ليسا سوى ملف واحد. وهذه العملية ليست روتينية، بل تحتاج إلى أسابيع من الجلسات. وبعد صدور قرار الضم، ستكون المحكمة مضطرة إلى تعليق سير المحاكمات، لعدة أشهر، فسحاً في المجال أمام فريق الدفاع عن المتهم الجديد للاطلاع على ملف التحقيقات. وهذا الملف، يضم اكثر من 750 ألف صفحة، إضافة إلى كمية هائلة من الملفات الالكترونية.
هذا ما جرى امس. صدر قرار الضم، على أن يصدر اليوم قرار تأجيل المحاكمات، إلى بداية الصيف المقبل، على أقل تقدير. مصادر قانونية معنية بالمحكمة ذكّرت بكلام رئيس مكتب الدفاع في المحكمة، فرانسوا رو، الذي سبق أن أبدى أسفه لاتباع المحكمة لهذا النوع من الإجراءات، مشيراً إلى انها تستلزم وقتاً طويلاً قبل صدور أي حكم، قد يمتد لثلاث سنوات. وأبدت المصادر خشيتها من تأجيل المحاكمة اكثر من مرة، خلال الأشهر والسنوات المقبلة، بسبب وجود لائحة من نحو 10 أشخاص ستوجه المحكمة اتهاماً إليهم بالمشاركة في الجريمة.
وأوضح بيان أصدرته المحكمة أمس أن الغرفة استمعت إلى حجج الادعاء، ومحامي الدفاع، وكذلك إلى رئيس قلم المحكمة، ورئيس مكتب الدفاع. وفي أعقاب مداولات القضاة في ختام الجلسة، قال رئيس المحكمة، دايفد راي: "في الظروف الحالية، تقتضي مصلحة العدالة ضم القضيتين، لذلك قررت غرفة الدرجة الأولى ضم القضيتين، وإجراء المحاكمة فيهما في إطار قرار الاتهام ذاته".
ثم أرجئت الجلسة إلى صباح اليوم لمناقشة "الخطوات العملية للسير في محاكمة موحدة، بما في ذلك طول فترة التأجيل اللازمة لإتاحة الوقت اللازم لمحامي مرعي لتحضير دفاعهم".
وكان المحامي المكلف الدفاع عن مرعي، محمد عويني، قد ادلى بحججه في مسألة ضم قضية موكله الى الآخرين، وقال: "الضم قد يكون الإجراء الاكثر ملاءمة، لكن مع التحفظ على عنصرين: الاول امكان حصول تضارب مصالح مع القضية الثانية. ونريد محاكمة وفق شروط الإنصاف والوقت الضروري والتسهيلات". وطالب بأن تتم المرحلة التمهيدية الباقية امام قاضي الاجراءات لا امام الغرفة الاولى.
جمود حكومي
أما على الصعيد الحكومة الداخلي، ففي أبلغ تعبير عن الفشل الحكومي الذريع الذي يعكس جمود الاتصالات والوساطات، وبالتالي عمق المأزق القابعة فيه عملية التأليف، علق رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط ساخراً في حديث تلفزيوني على الاتصالات الجارية بهذا الشأن، قائلاً: "لقد تقمصت قبل ان أموت، وانا متقمص في الصين حالياً الى حين الفرج".
لكن هذا الفرج يبدو بعيداً؛ إذ لم يسجل أمس أي موقف او اتصال من شأنه دفع الأمور إلى الأمام، باستثناء حركة تيار المستقبل على خط بيروت ـــ الرياض لنقل رسائل من الرئيس الحريري بشأن الحقائب التي يطالب بها في الحكومة العتيدة والأسماء التي ستتولاها، ولا سيما وزارة الداخلية. فبعد عودة رئيس كتلة المستقبل النائب فؤاد السنيورة من الرياض توجه إليها النائب احمد فتفت "في اطار مهمة سياسية خاصة" وفق ما صرح به، رافضاً الإفصاح عن مضمونها وأهدافها.
وفي السياق، قالت أوساط بارزة في قوى 8 آذار إن الاتصالات والمشاورات في شأن تأليف الحكومة معطلة بالكامل، ولا يوجد ما يشير إلى قرب ولادة الحكومة. لكن هذه الاوساط قالت إن الرئيس تمام سلام لا يزال مصراً على تأليف الحكومة قريباً.
في موازاة ذلك، برز موقف لافت للبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي من شأنه لجم التفكير بفرض "حكومة بمن حضر"، الذي يراود رئيس الجمهورية ميشال سليمان وسلام. فقد دعا الراعي قبيل توجهه إلى روما أمس، الى قيام حكومة لا تشكل ازمة او تحدياً لأحد في لبنان. وقال: "ليس من كرامة رئيس الجمهورية ولا من كرامة الرئيس المكلف ان تشكل حكومة من الممكن ألّا تأخذ الثقة". وأشار إلى ان المذكرة الوطنية تلتقي مع بيان التيار الوطني الحر في شأن التمسك بالميثاق والدستور والعرف والمسلمات الدستورية والثوابت الوطنية.
من جهة أخرى، وبينما كان متوقعاً أن يصدر عن رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، موقف من المستجدات الحكومية، لم يتحدث عون بعد اجتماع التكتل أمس، وناب عنه في المؤتمر الصحافي أمين سر التكتل النائب ابراهيم كنعان الذي ركز على وثيقة بكركي. وأوضح كنعان أن التكتل لم يؤيد مذكرة بكركي من دون ان يتمعن فيها، لأنه "لا يمكننا ان نؤيد مذكرة دون ان نتأكد أن بنودها الرئيسية تنسجم مع تطلعاتنا ومبادئنا". ولفت إلى ان "المذكرة تتكلم على المشاركة الفعلية بين المكونات اللبنانية، وهذا وارد أيضاً في النظام السياسي، كما أن الميثاق بحسب المذكرة يعلو كل تدبير سياسي أو إداري".
من جهته، رأى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، أن "هناك مشروعين مطروحين، هما مشروع وثيقة بكركي ومشروع دويلة حزب الله، وعلى كل شخص ان يختار".
ورأى في مؤتمر صحافي في معراب، حمل فيه على حزب الله، وضمناً على النائب عون، أن "عدم الوضوح في تحديد المصلحة الوطنية المشتركة، يؤدي الى ممارسة سياسية تجنح الى المحاصصة"، في إشارة الى وزارة الطاقة والمياه. وقال: "لا أحد يستطيع ان يقول انه مع مذكرة بكركي، بل عليه ان يحترم النقاط الاساسية التي ترد فيها، وهي مشروع الدولة الفاعلة ولا شيء آخر".
وأعلن المكتب الاعلامي لجعجع انه بعد الانتهاء من مؤتمره الصحافي، تلقى اتصالاً هاتفياً من البطريرك الراعي هنأه في خلاله على تفنيده لنقاط المذكرة شاكراً تأييده وتبنيه لمضمونها. ref:wataniya