يللا - كندا - الفرد بارود - عصر لبنان الجزء الثاني - ولد هاري كرمزيان في منطقة الأشرفية من مدينة بيروت، حيث ترعرع في أحيائها. وكانت لمنطقة الأسواق حصة كبيرة من طفولته وشبابه حيث كان يذهب إلى محل والده هاغوب الذي كان صاحب محل "لونا ساك" المتخصص في بيع جزادين السيدات، وهناك أخذ هاري يتعرف على مبدأ خدمة الزبائن وحسن المعاملة، حيث كان هاغوب الوالد يتقن هذا الفن، إضافة إلى خبرته الواسعة في المنتوجات الجلدية.
تفاعل هاري مع مدينته المحببة بيروت وكان له أصدقاء كثر، سواء من الوسط التجاري وجيران محل والده، أو من الناس الذين تعرف عليهم هناك.
كان هاري تلميذاً نشيطاً مواظباً على الدرس في المدرسة الإنجيلية، وكان محصلاً في دروسه ومتابعاً لها. تفاعل مع رفاق المدرسة وجمعته بهم علاقة أخوّة طبعت شخصيته، فكان محبباً لدى كل من التقاه لاحقاً في حياته المهنيه في كندا.
سهرت آليس والدته على تربية عائلتها الجميلة، وكان هاري يكبر في بيت تغمره محبة الوالدين وتقارب الأخوة من بعضهم. ترك هذا الأمر في قلب هاري أثراً كبيراً عاش في قلبه طيلة حياته. فكان عشق العائلة والأولاد عنده لا يضاهيه أي عشق آخر سوى تعبده للرب ومحبته للعذراء مريم.
وكان لفقدانه لأحد أبنائه عن عمر 13 سنة بسبب المرض، أثر كبير في حياته التي عاشها من بعده بألم صامت محرق. فصورة ابنه لم تفارق يوماً محله التجاري في "الروكلاند".
شبّ هاري وأصبح عمره 17 سنة وهو في عز انطلاقته الشبابية واندماجه الإجتماعي، إلى أن انطلقت شرارة الحرب اللبنانية البغيضة في 13 نيسان سنة 1975، فأصبح أبناء بيروت كلهم في خطر يومي يحدق بهم وبحياتهم، وأصبح الوصول إلى محل الوالد في الأسواق من الأمور المستحيلة.
وفي سنة 1976 هاجرت العائلة الى كندا هرباً من القتل والدمار، حيث بدأ هاري صفحة جديدة من حياته.
تفاعل هاري مع مدينته المحببة بيروت وكان له أصدقاء كثر، سواء من الوسط التجاري وجيران محل والده، أو من الناس الذين تعرف عليهم هناك.
كان هاري تلميذاً نشيطاً مواظباً على الدرس في المدرسة الإنجيلية، وكان محصلاً في دروسه ومتابعاً لها. تفاعل مع رفاق المدرسة وجمعته بهم علاقة أخوّة طبعت شخصيته، فكان محبباً لدى كل من التقاه لاحقاً في حياته المهنيه في كندا.
سهرت آليس والدته على تربية عائلتها الجميلة، وكان هاري يكبر في بيت تغمره محبة الوالدين وتقارب الأخوة من بعضهم. ترك هذا الأمر في قلب هاري أثراً كبيراً عاش في قلبه طيلة حياته. فكان عشق العائلة والأولاد عنده لا يضاهيه أي عشق آخر سوى تعبده للرب ومحبته للعذراء مريم.
وكان لفقدانه لأحد أبنائه عن عمر 13 سنة بسبب المرض، أثر كبير في حياته التي عاشها من بعده بألم صامت محرق. فصورة ابنه لم تفارق يوماً محله التجاري في "الروكلاند".
شبّ هاري وأصبح عمره 17 سنة وهو في عز انطلاقته الشبابية واندماجه الإجتماعي، إلى أن انطلقت شرارة الحرب اللبنانية البغيضة في 13 نيسان سنة 1975، فأصبح أبناء بيروت كلهم في خطر يومي يحدق بهم وبحياتهم، وأصبح الوصول إلى محل الوالد في الأسواق من الأمور المستحيلة.
وفي سنة 1976 هاجرت العائلة الى كندا هرباً من القتل والدمار، حيث بدأ هاري صفحة جديدة من حياته.
أولع هاري بعالم المصاغ منذ نعومة أظفاره، فكان يتمشى إلى سوق الصاغة القريب من محل والده في وسط بيروت، ليتفرج على الأشكال والتصاميم المعروضة في واجهات محلات الصاغة هناك.
قرر دخول هذا العالم في مونتريال المدينة التي استقر فيها مع أهله. هناك ابتدأ دراسة الصياغة والعمل في نفس الوقت بهذا المجال حتى عام 1981. بعدها أسس أول محل له سنة 1982 باسم "بونتي فيكيو" في منطقة "ريفيير دي بريري".
إجتمعت عدة عوامل مثل حبه لعمله، خبرته في مجال الصياغة والتعامل الجيد مع العالم. كل هذا، ساعد في إنجاح مشروع هاري، ليقرر في سنة 1983 نقل محله إلى عنوانه الجديد والمعروف من قبل كل أبناء الجالية اللبنانية في المجمع التجاري الفخم والمميز "روكلاند" في منطقة مونترويال الفخمة المجاورة لمنطقة "السان لوران" المعروفة باسم "السان ليبان" لكثرة عدد اللبنانيين القاطنين فيها أو الذين اتخذوها مقراً لأعمالهم.
ذاع صيت هاري ومحل بونتي فيكيو في أرجاء مونتريال، فاستقطب إليه الزبائن من جميع الجاليات العربية والجاليات الأخرى، إضافة إلى عدد كبير جداً من الكنديين المولودين على أرض كندا. كانت الخدمات الكاملة على الطريقة اللبنانية الناجحة في خدمة الزبائن. هذه اكتسبها هاري عن والده أيام كانوا في وسط بيروت، فكانت السبب المهم لاستمرار نجاح عمله. كان الماس والذهب ملهما هاري الأساسيان، أضافة لخيارات أخرى يرعى من خلالها أذواق الزبائن، كالساعات من ماركات عالمية كبيرة، فكان الوكيل الرسمي والمعتمد لها. استعان باللؤلؤ على أنواعه، ومجموعات كبيرة من الأحجار الكريمة المعروفة والنادرة. أضف على هذا خدمة تصليح الساعات والمصاغ داخل المحل، مما جعل الزبائن يرتاحون للتعامل بثقه له ولمؤسسته المتميّزة.
عندما تجالس هاري ويعرف أنك لبناني! يعود به الحنين إلى لبنان.. ذاك البلد الذي ترك فيه أجمل ذكرياته وأصدقائه وحبه الأول. تغرورق عيناه بالدموع عندما تسافر به الذكريات إلى تلك الربوع التي شبّ فيها. فيتذكر صيفيات العائلة في ضهور الشوير، بولونيا والمتين، ثم يسأل نفسه في شبه انخطاف وبصوت مسموع: هل سيعود إلى لبنان يوماً؟
يدخل الزائر محل "بونتي فيكيو" في مجمع الروكلاند، فيطالعه مباشرةً شعار المحل محفور على خشب فاخر، وهو عبارة عن جسر العشاق في مدينة البندقية الإيطالية. تحت الشعار، يقف صاحب هذا المحل بوجه المسالم الذي يحمل ابتسامة هادئة جميلة مع نظرة خبيرة تحمل الصدق والصداقة.
هناك يقف هاري كيرميزيان حاملاً على منكبيه سنين طويلة مترعة بالخبرة والنجاح، مفعمة بالمحبة والايمان مثقلة بقلب مفجوع على الولد قديماً. سنون لو مهما طالت، لا تبرح قصيرة، لأن الناس الأوادم يرحلون بصمت لا يعكره سوى أنين وجعٍ من تآكلٍ للأيام الأخيرة المتساقطة من العمر بلحظات سريعة وخاطفة.
قصتك يا هاري قصة، هي قصة رجل عصامي، عاش بعيداً عن لبنانه بسبب الظروف القاسية التي مرّ بها الوطن الحبيب فأقصته إلى كندا. نجاحك كسرُ حجارة يتيمة تتوّج بها أرزات مغروسة في حديقة أبناء الأرز الخالدة. تلك التي تزيّن هامة الوطن الشامخ بأبنائه جميعاً في الوطن والمهجر.
الفرد بارود
صحافي وكاتب
رقم نقابي: 1060 نقابة المحررين
رئيس تحرير موقع يللا
تنشر هذه القصة أيضاً في كتاب "عصر لبنان" الجزء الثاني الذي هو قيد الكتابة.
alfredb@yalla.today
قرر دخول هذا العالم في مونتريال المدينة التي استقر فيها مع أهله. هناك ابتدأ دراسة الصياغة والعمل في نفس الوقت بهذا المجال حتى عام 1981. بعدها أسس أول محل له سنة 1982 باسم "بونتي فيكيو" في منطقة "ريفيير دي بريري".
إجتمعت عدة عوامل مثل حبه لعمله، خبرته في مجال الصياغة والتعامل الجيد مع العالم. كل هذا، ساعد في إنجاح مشروع هاري، ليقرر في سنة 1983 نقل محله إلى عنوانه الجديد والمعروف من قبل كل أبناء الجالية اللبنانية في المجمع التجاري الفخم والمميز "روكلاند" في منطقة مونترويال الفخمة المجاورة لمنطقة "السان لوران" المعروفة باسم "السان ليبان" لكثرة عدد اللبنانيين القاطنين فيها أو الذين اتخذوها مقراً لأعمالهم.
ذاع صيت هاري ومحل بونتي فيكيو في أرجاء مونتريال، فاستقطب إليه الزبائن من جميع الجاليات العربية والجاليات الأخرى، إضافة إلى عدد كبير جداً من الكنديين المولودين على أرض كندا. كانت الخدمات الكاملة على الطريقة اللبنانية الناجحة في خدمة الزبائن. هذه اكتسبها هاري عن والده أيام كانوا في وسط بيروت، فكانت السبب المهم لاستمرار نجاح عمله. كان الماس والذهب ملهما هاري الأساسيان، أضافة لخيارات أخرى يرعى من خلالها أذواق الزبائن، كالساعات من ماركات عالمية كبيرة، فكان الوكيل الرسمي والمعتمد لها. استعان باللؤلؤ على أنواعه، ومجموعات كبيرة من الأحجار الكريمة المعروفة والنادرة. أضف على هذا خدمة تصليح الساعات والمصاغ داخل المحل، مما جعل الزبائن يرتاحون للتعامل بثقه له ولمؤسسته المتميّزة.
عندما تجالس هاري ويعرف أنك لبناني! يعود به الحنين إلى لبنان.. ذاك البلد الذي ترك فيه أجمل ذكرياته وأصدقائه وحبه الأول. تغرورق عيناه بالدموع عندما تسافر به الذكريات إلى تلك الربوع التي شبّ فيها. فيتذكر صيفيات العائلة في ضهور الشوير، بولونيا والمتين، ثم يسأل نفسه في شبه انخطاف وبصوت مسموع: هل سيعود إلى لبنان يوماً؟
يدخل الزائر محل "بونتي فيكيو" في مجمع الروكلاند، فيطالعه مباشرةً شعار المحل محفور على خشب فاخر، وهو عبارة عن جسر العشاق في مدينة البندقية الإيطالية. تحت الشعار، يقف صاحب هذا المحل بوجه المسالم الذي يحمل ابتسامة هادئة جميلة مع نظرة خبيرة تحمل الصدق والصداقة.
هناك يقف هاري كيرميزيان حاملاً على منكبيه سنين طويلة مترعة بالخبرة والنجاح، مفعمة بالمحبة والايمان مثقلة بقلب مفجوع على الولد قديماً. سنون لو مهما طالت، لا تبرح قصيرة، لأن الناس الأوادم يرحلون بصمت لا يعكره سوى أنين وجعٍ من تآكلٍ للأيام الأخيرة المتساقطة من العمر بلحظات سريعة وخاطفة.
قصتك يا هاري قصة، هي قصة رجل عصامي، عاش بعيداً عن لبنانه بسبب الظروف القاسية التي مرّ بها الوطن الحبيب فأقصته إلى كندا. نجاحك كسرُ حجارة يتيمة تتوّج بها أرزات مغروسة في حديقة أبناء الأرز الخالدة. تلك التي تزيّن هامة الوطن الشامخ بأبنائه جميعاً في الوطن والمهجر.
الفرد بارود
صحافي وكاتب
رقم نقابي: 1060 نقابة المحررين
رئيس تحرير موقع يللا
تنشر هذه القصة أيضاً في كتاب "عصر لبنان" الجزء الثاني الذي هو قيد الكتابة.
alfredb@yalla.today